دخل رجل إلى دكان.. وقال للبائع.. "عندك بطاريات للريموت كونترول؟!".. أجابه البائع بكل وضوح.. "لا يوجد عندنا طلبك".. فذهب إلى دكان آخر.. وقبل أن يلقي التحية.. باغت البائع بسؤاله.. "وِنْت"؟!.. أي وأنت؟!.. وكأنه يفترض ضمنياً أن هذا البائع على علم بالحوار الذي دار في الدكان السابق..
وبينما كان مجموعة من الأصدقاء في الغربة يجلسون معاً.. شرد ذهن أحدهم وغادر المكان والزمان.. وبعد أن أفاق من شروده.. سأل أصدقاءه وكأن الأمر مسلَّم به.. "فلانة لها زوج؟!".. وكأنه مفترض أنهم يعرفون "فلانة" التي يقصدها.. بل ويعلمون كل تفاصيل حياتها..
هاتان القصتان تلقيان الضوء على ظاهرة باتت منتشرة في عصرنا الرقمي.. حيث كثير من الناس يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لبث رسائل مبهمة.. لا تقول شيئاً صريحاً.. لكنها تلمح لكل شيء.. كأن يكتب أحدهم تعليقاً يحمل وجهين.. أو منشوراً يفتح كل أبواب التأويل.. ثم ينتظر تفاعل الناس.. وكأنهم في اختبار للذكاء أو التنجيم..
على هذه المنصات.. تجد من يترك تعليقاً ضمن حوار حول امر ما.. مثل "انتظروا وسترون".. او "الموضوع ليس كما تظنون".. وحين يقع أحد الاحتمالات الممكنة.. يخرج ليقول بكل ثقة.. "ألم أقل لكم؟!".. فهو الفائز دائماً.. سواء حدث ما يشاء أم لا.. يظل كلامه قابلاً للتفسير على أي وجه.. ليظهر أمام الآخرين بمظهر العارف الخبير..
هذه الرسائل القصيرة المبهمة.. أو تلك التي تحتمل كل الاتجاهات.. او الأسئلة غير الواضحة.. ليست سوى قناع يرتديه أصحابها.. لإيهام الآخرين أنهم يمتلكون المعلومة.. أو أنهم أذكى من الجميع.. لكن الواقع يظهرهم على حقيقتهم.. أشخاصاً يخشون وضوح الكلمة.. ويفضلون التستر خلف الغموض والالتباس..
إن كنت ممن يكتب رسالة مبهمة.. أو كلاماً يحتمل عدة أوجه.. فلتتقبل فكرة أن الآخرين.. قد يردون عليك بما لا علاقة له بنيتك الأصلية.. لأنك ببساطة.. لم تقل شيئاً واضحاً.. وإن كنت من أولئك الذين يرسلون جملة واحدة تشبه العرافة.. ويتوقعون من الآخرين فهمها.. وكشف رموزها.. فتذكر أن العالم ليس مشغولاً بالركض خلف كلماتك لفك شفرتها..
الوضوح شجاعة.. والصدق في التعبير عن المواقف هو السبيل لبناء حوار ذكي ومثمر.. أما الاختباء خلف الضبابية.. فهو صورة واضحة للضعف.. والرسائل المبهمة.. والقصيرة غير المكتملة.. والتي تعني كل شيء.. ولا شيء في آن واحد.. تظل في نهاية المطاف.. مجرد فراغ من المعنى..