كيف يمكن للأردن التكيف مع تحديات فوز ترامب؟
أ.د تركي الفواز
30-11-2024 11:13 PM
* استراتيجيات لتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي
بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يواجه الأردن تحديات اقتصادية قد تتفاوت من تأثيرات مباشرة على التجارة والاستثمار إلى آثار غير مباشرة على الاستقرار الإقليمي والمساعدات الأمريكية،فخلال فترة رئاسته السابقة، أظهرت السياسات الأمريكية تبنيًا للحماية التجارية، مما يثير القلق حول تأثير ذلك على اقتصاد الأردن الذي يعتمد بشكل كبير على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات البنك المركزي الأردني، فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الأردن والولايات المتحدة حوالي 2.1 مليار دولار أمريكي، مع صادرات أردنية تقدر بحوالي 1.4 مليار دولار، تشمل قطاعات حيوية مثل الأدوية والنسيج، في حال استمرت سياسة الحماية، قد تتأثر هذه الصادرات جراء زيادة الرسوم الجمركية أو فرض قيود تجارية أخرى، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات الأردنية ويضعف قدرتها التنافسية في السوق الأمريكية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الدعم الأمريكي للأردن في المجالات الاقتصادية والعسكرية عنصرًا حيويًا لاستقرار الأردن، فقد تلقت الاردن مساعدات أمريكية تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، منها مساعدات عسكرية وتنموية، وفقًا لتقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)،فإذا استمرت سياسة ترامب التي تركز على الأمن والمصالح العسكرية على حساب المشاريع التنموية، فقد يجد الأردن نفسه في مواجهة تقليص الدعم المالي، مما يضع ضغوطًا مالية كبيرة على الحكومة الأردنية ويصعب عليها تمويل المشروعات التنموية الحيوية مثل تحسين البنية التحتية، الطاقة المتجددة، علاوة على ذلك، سيستمر الأردن في مواجهة تحديات إقليمية بسبب السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، خاصة في ظل الأزمات المستمرة في سوريا والعراق وفلسطين، أي تغيير في استراتيجيات الولايات المتحدة تجاه هذه الأزمات قد يؤثر على الاستقرار الإقليمي بشكل عام، وهو ما يتطلب من الأردن أن يبقى حذرًا في تعزيز تحالفاته الإقليمية والعمل على الحفاظ على التوازن الأمني والسياسي في المنطقة، في هذا السياق قد يجد الأردن نفسه في حاجة إلى البحث عن شراكات جديدة للتعويض عن أي تغييرات قد تحدث في السياسات الأمريكية تجاه المنطقة.
ومع ذلك، يمكن للأردن أن يتبنى مجموعة من الاستراتيجيات لمواجهة هذه التحديات. أولاً، يعد تعزيز التعاون مع دول الخليج العربي خطوة حيوية، حيث تمتلك هذه الدول القدرة على تمويل المشاريع الكبرى والمساهمة في دعم الاقتصاد الأردني في حال تقليص المساعدات الأمريكية، وفقًا للتقارير، تعتبر السعودية والإمارات من أكبر الشركاء الاقتصاديين للأردن، ويمكن تعزيز هذه الشراكات من خلال استثمارات مشتركة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والصحة، هذه العلاقات قد تساهم في توفير بدائل اقتصادية جيدة للأردن إذا كانت العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة تتعرض للضرر.
ثانيًا، يجب على الأردن أن يركز على تنويع اقتصاده ، تشير الإحصاءات إلى أن الاستثمار في القطاعات غير التقليدية، مثل التكنولوجيا الرقمية، والزراعة المستدامة، والسياحة البيئية، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي، في 2022 استقبل الأردن 5.6 مليون سائح مما أسهم في تحقيق 2.3 مليار دولار أمريكي من الإيرادات السياحية، وفقًا لتقرير وزارة السياحة والآثار، فهذه القطاعات الجديدة قد تفتح أمام الأردن فرصًا جديدة للنمو وتوسيع أسواقه التجارية، مما يساعد على تخفيف تأثير أي تقليص في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، كما يمكن للأردن أن يعزز من قدراته في مجالات أخرى مثل الطاقة المتجددة، التي شهدت نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ففي عام 2023 بلغ إجمالي القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في الأردن حوالي 1,000 ميغاواط، وهو ما يجعل الاردن واحدة من الدول الرائدة في هذا المجال في المنطقة، وفقًا لـ وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية يمكن لهذا القطاع أن يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني خاصة إذا تم جذب المزيد من الاستثمارات الصينية عبر مبادرة "الحزام والطريق".
إضافة إلى ذلك، يعد تطوير رأس المال البشري في الأردن أمرًا بالغ الأهمية، يشير تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إلى أن نسبة البطالة في الأردن كانت حوالي 24% في الربع الأول من 2023، مما يوضح الحاجة إلى تدريب الشباب وتزويدهم بالمهارات اللازمة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، من خلال استثمار رأس المال البشري، يمكن للأردن أن يبني قاعدة اقتصادية قوية قائمة على المعرفة، مما يزيد من قدرة الأردن على المنافسة في الأسواق العالمية، ومن بين الحلول التي يمكن أن تساعد الأردن في تجاوز هذه التحديات أيضًا، هو تعزيز التعاون مع الصين في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، فهذه المبادرة تمثل فرصة كبيرة للأردن لجذب استثمارات صينية في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة، مما يعزز من قدرة الأردن على تحسين موقعه الجغرافي كحلقة وصل بين الشرق الأوسط وآسيا، تشير الإحصاءات إلى أن الاستثمارات الصينية في الأردن بلغت حوالي 2.7 مليار دولار أمريكي في 2020، وفقًا لـ المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، ومن المتوقع أن تزداد هذه الاستثمارات في إطار المبادرة، إذا تم تنفيذ هذه الحلول بشكل جيد، فإن الأردن يمكنه أن يتحمل تحديات فوز ترامب ويحولها إلى فرص للنمو الاقتصادي المستدام، من خلال تنويع الاقتصاد، تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية، وتطوير رأس المال البشري، يمكن للأردن أن يظل في موقع قوي في مواجهة التحديات القادمة.