زيادة أخرى في أسعار المحروقات, يقال, هذه المرة, أنها لن تضير الفقراء! وهذا صحيح إذا كان المقصود هو الاستهلاك المباشر للمحروقات, وهي اصبحت ترفاً منذ وقت طويل بالنسبة للأغلبية, لكن تلك الزيادة سوف تنعكس في سلّة من ارتفاع الاسعار في السلع والخدمات, ابتداء من »الساندويتش« وحتى »السرفيس« لا بد, طبعاً من تغطية العجز الناجم عن ارتفاع السعر العالمي للنفط, ولكن أما يزال المجتمع الاردني قادراً على احتمال المزيد من الضغوط المعيشية? وهل يستطيع الاقتصاد الاردني, استيعاب مفاعيل الانكشاف الكامل أمام بورصة أسعار النفط العالمية?.لدى كل زيادة جديدة في أسعار النفط, انشغلت الصحافة ودوائر الرأي العام, في نقاشات خصبة للتوصل الى صيغ دينامية لاستيعاب انفلات كلفة الطاقة ابتداءً, من خطط التخزين الاستراتيجي, مروراً بالبحث عن »بدائل«, وانتهاء بالتوصل الى اطار سياسي للحصول على النفط بأسعار »ثابتة« نسبياً, أقله على المدى المتوسط.
ولن نعيد, هنا, فتح الباب أمام نقاش جديد, طالما أن وظيفة الحوار في الحياة السياسية الاردنية, هي استهلاك الزمن والمواقف, ولكن ليس المشاركة في صنع القرار.
لذلك, سوف نسأل في الأساسيات: لماذا تكون معالجة العجز في الموازنة العامة, دائماً على حساب المجتمع? ولماذا لا يكون البديل, رسوماً تصاعدية على الاستهلاك, تُحصَّل, سنوياً, على أساس أحجام محركات السيارات ومساحات المنازل.. الخ?.
وسوف يلعب تحصيل هذه الرسوم, دوراً في خفض التضخم, وتحسين موارد الخزينة, بالاضافة الى تحقيق مبدأ العدالة في توزيع الأعباء.
أليس من المدهش ان يواجه الاقتصاد الاردني, أزمة أسعار النفط, بالالحاح على »مبدأ« حرية الاستيراد والاستهلاك, من كل قيد جمركي أو اجتماعي? وهل من المعقول الا تتم, الآن, زيادة جمارك السيارات ذات المحركات الكبيرة, والتي سبق خفضها اكراماً للسيارات الامريكية?.
حسناً! سنضع جانباً هذه الاسئلة, ونضع ايدينا على قلوبنا, جراء ما تم اعلانه من النية لرفع الدعم عن »الأعلاف« هذه ضربة جديدة للفئات الاجتماعية الريفية, ضربة اقتصادية واجتماعية معاً, وستكون لها آثار وخيمة على حياة الآلاف, وستؤدي, على الأرجح, الى تدهور الثروة الحيوانية في البلاد, ولعل ذلك ما يبهج المسؤولين في التعداد المقبل للمواشي!!.
سوف تشهد اسعار اللحوم البلدية, ارتفاعاً جنونياً آخر, وسوف يتم اغراق الاسواق باللحوم المستوردة. هذا, قطاع انتاجي آخر تحكم عليه الليبرالية الجديدة بالاعدام.
وانا مضطر, هنا, ان أذكّر بنقاشات جرت لمعالجة مشكلة »الأعلاف«, جذرياً, من خلال دعم زراعتها بدلاً من دعم استيرادها, وابتكار بدائل وخلطات... الخ.
كل تلك النقاشات كلام في كلام. ويظهر ان آليات تشكيل الحكومات, وأساليب عملها, لا تساعد في تخطيط وتنفيذ حلول استراتيجية للمشكلات, بينما تلح الايديولوجية الاقتصادية المسيطرة على الدفع نحو الحلول الآنية السهلة.. ولكن على حساب المجتمع.. والناس..0
عن العرب اليوم