facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"عنز ولو طارت" .. بين التمني والعناد ..


محمود الدباس - ابو الليث
29-11-2024 10:49 PM

"عنز ولو طارت".. تعبير يعكس نزعة إنسانية قديمة.. للإصرار على رأي.. أو موقف.. سواء كان ذلك مدفوعاُ بالتمني.. أو العاطفة.. أو حتى بعناد يرفض أي محاولة للتغيير.. هذه العبارة ليست مجرد وصف لحالة جدلية.. بل هي مرآة تعكس صراع الإنسان.. بين الاعتراف بالواقع.. وتمسكه برغباته وتصوراته الخاصة.. وكأنها دعوة للبحث عن معنى الحقيقة.. وسط ضباب العواطف والانحيازات..

عندما توفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. كان وقع الخبر على الصحابة أشبه بزلزال هز أركان قلوبهم.. رفض بعضهم تصديق الخبر في البداية.. ليس لأنهم ينكرون الموت.. أو يجهلون حتميته.. بل لأن غياب النبي جسدياً كان يعني لهم فقدان النور الذي أضاء حياتهم.. وقفت الصدمة والعاطفة حجر عثرة أمام اعترافهم بالواقع.. حتى جاء سيدنا أبو بكر الصديق بكلماته الحاسمة.. "من كان يعبد محمداً.. فإن محمداً قد مات.. ومن كان يعبد الله.. فإن الله حي لا يموت".. هذا الموقف ليس عناداً.. بل هو لحظة يتجلى فيها الصراع بين الحقيقة والتمني.. بين الفقد والتشبث بما كان..

أما في مشهد أكثر يومية.. وأقل قداسة.. نجد النقاشات الرياضية مثالاً صارخاً على تلك الظاهرة.. في إحدى الجلسات.. أصر أحد مشجعي كرة القدم.. على أن فريقه سيفوز بالبطولة مهما كانت الظروف. ورغم أن الحسابات الرياضية والمنطقية تؤكد استحالة ذلك.. فإنه تمسك بفكرة خيالية.. كأن تجتمع الفرق التي تزيد نقاطاً عن فريقه المفضل.. في مكان ما.. وتختفي من المنافسة جراء حادث.. هنا.. لم يكن صمته أمام الأدلة.. وطرحه هكذا طرح.. إلا دليلاً على انتصار عاطفته على منطقه.. وكأن التمني أصبح وسيلته الوحيدة.. لمواجهة الواقع الذي لا يريده..

من هنا.. يظهر الفكر الجمعي العربي.. بمثابة نموذج متكرر لهذه العقلية الأحادية.. العقلية التي لا ترى سوى حقيقة واحدة تتمترس خلفها.. وترفض النقاش.. أو تقَبُل الآراء المخالفة.. هذا النمط يتجلى في السياسة.. والاقتصاد.. والحروب.. وحتى في الحياة اليومية.. قرارات تصدر دون أن تخضع لتمحيص.. أو نقاش حقيقي.. وأفكار تُفرض بقوة العادة.. أو النفوذ.. لا بقوة المنطق أو الدليل..
فالفكر الجمعي العربي.. تجده في الغالب.. يصر على الحقيقة الواحدة..

وعلم النفس يفسر هذا السلوك عبر مفهوم التحيز التأكيدي (Confirmation Bias).. حيث يميل الأفراد والجماعات.. إلى البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم الراسخة.. ويتجاهلون كل ما يخالفها.. هذا التحيز.. ليس مجرد مشكلة فردية.. بل هو سلوك يتغلغل في الفكر الجمعي.. مما يجعل من الصعب تجاوز الأزمات.. أو تحقيق التقدم..

لكن السؤال الحقيقي هو.. هل يمكننا تجاوز هذه العقلية؟!.. التمسك بالتمني أو الإنكار.. قد يمنح راحة نفسية مؤقتة.. لكنه لا يصنع حلولاً.. ولا يغير الواقع.. وإن الخروج من دائرة "عنز ولو طارت".. يتطلب شجاعة فكرية لفتح الأبواب للنقاش الحر.. والاعتراف بوجود حقائق متعددة.. تستحق التأمل والاعتبار..

في هذا السياق.. لابد من تعزيز ثقافة التفكير النقدي منذ الصغر.. تعليم الأجيال أن التساؤل ليس ضعفاً.. وأن الاعتراف بالخطأ ليس هزيمة.. كما أن بناء مجتمعات قادرة على احتضان الآراء المختلفة.. يحتاج إلى مؤسسات تعليمية وإعلامية تُعلي من شأن الحوار.. وتضع المنطق فوق العاطفة..

قد يكون من المناسب أن أختم بعبارة تلخص جوهر الفكرة.. ليست المشكلة في التمني بأن "تطير عنزك".. بل في الإصرار على طيرانها.. رغم أن الحقيقة أمامنا تقول عكس ذلك.. فهل نملك الشجاعة.. لتغيير هذه العقلية؟!..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :