في مناخ "سياسي تاريخي" عربي جديد, هو مناخ "الثورات الشبابية الشعبية الديمقراطية السلمية العربية", اكتشف الشباب الفلسطيني الطريق (والوسيلة) التي إنْ ساروا فيها, ومضوا قُدُماً في السير فيها, ضاقت وتقلَّصت المسافة بين "حق اللاجئين في العودة (إلى ديارهم التي شُرِّدوا منها)", والذي يحظى بالشرعية الدولية, وبين جَعْل هذا الحق (النظري) واقعاً, أو حقيقة واقعية.
وإنَّ من الأهمية بمكان, في هذا السياق, أنْ نَفْهَم كيف يَفْهَم رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت "قضية اللاجئين", و"حق العودة", من خلال ما تضمَّنته محاضرته "مستقبل القضية الفلسطينية في إقليم متحوِّل".
ما أعلمه هو أنَّ الدكتور البخيت ما زال ملتزماً الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنَّها "الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"; وما أعلمه أيضاً هو أنَّ الدكتور البخيت لم يؤسِّس لمفهوم جديد لـ "الشعب الفلسطيني" يقوم على استثناء بعض اللاجئين الفلسطينيين من هذا الشعب, وإلاَّ أصبحنا في حاجة إلى أنْ نضيف إلى سؤال "مَنْ هو اليهودي?" سؤال "من هو الفلسطيني?".
إنَّ اللاجئين في كل مكان (عربي أو غير عربي) هم جزء لا يتجزَّأ من "الشعب الفلسطيني" الذي يعترف الدكتور البخيت بأنَّ ممثِّله الشرعي الوحيد هو منظمة التحرير الفلسطينية.
إذا كان الأمر كذلك, فما هو معنى قول الدكتور البخيت "لن نسمح لأيِّ كان بأنْ يحتكر تمثيل هذا الملف (ملف اللاجئين الفلسطينيين)"?!
حسناً, سأقول عن الدكتور البخيت موضحاً إنَّ اللاجئين الفلسطينيين في الأردن (أو غالبيتهم) ليسوا "الآن" جزءاً من "الشعب الفلسطيني" الذي يحقُّ لمنظمة التحرير الفلسطينية تمثيله, واحتكار تمثيله; وإنَّهم, من ثمَّ, مواطنون أردنيون, و"جزء من الدولة الأردنية", ويحقُّ للدولة الأردنية تمثيل مواطنيها هؤلاء.
لكنَّ تمثيل الدولة لمواطنيها يَفْقِد كثيراً من معناه في قول الدكتور البخيت: لقد أكَّدت الحكومة (الأردنية) والتزمت في بيانها الوزاري أنْ تكون "الحليف الأقوى والأصلب" للاجئين الفلسطينيين في استعادة حقوقهم التاريخية, وإقرار حق العودة.
إنَّ الدولة "تمثِّل" مواطنيها, ولا تَصِف نفسها بأنَّها "الحليف" لهم.
الدولة "تمثِّل" مواطنيها من "اللاجئين الفلسطينيين"; فما هي الغاية النهائية الكامنة في إصرارها على هذا "التمثيل"? هل هي تمثِّلهم من أجل التوصُّل إلى حلِّ نهائي لمشكلتهم يقوم على "توطينهم (النهائي) في الأردن" أم من أجل أنْ يأتي هذا الحل النهائي بما يحوِّل مواطنيها هؤلاء إلى مواطنين غير أردنيين?
وهذا "التحويل" إنَّما يعني أنْ يصبح هؤلاء جزءاً من الدولة الفلسطينية عند قيامها, ولو بقي بعضهم "مقيماً" في الأردن, أو أنْ يعود اللاجئون الفلسطينيون في الأردن (والذين هم جزء من الدولة الأردنية) إلى ديارهم (التي هي الآن جزء من إقليم دولة إسرائيل) ولو جعلتهم هذه العودة جالية فلسطينية (هي جزء من الدولة الفلسطينية) تقيم في إسرائيل.
ما أفهمه من كلام الدكتور البخيت هو أنَّه يريد للاجئين الفلسطينيين في الأردن, والذين هم الآن في غالبيتهم مواطنين أردنيين, وجزءاً من الدولة الأردنية, أنْ تُحلَّ مشكلتهم بما يجعلهم مواطنين غير أردنيين, من خلال عودتهم إلى ديارهم, أو إلى الدولة الفلسطينية عند قيامها. وكلام الدكتور البخيت, بمعناه هذا, لا يمكن إلاَّ أنْ يحظى بدعم وتأييد كل غيور على "حقِّ العودة".
وهذا الفهم يتعزَّز بقول الدكتور البخيت إنَّ الدولة الأردنية لن تسمح بـ "أيِّ تنازلات قد يقدِّمها أيٌّ كان على حساب الحقوق التاريخية للمواطنين الأردنيين من اللاجئين", وإنَّها, أي الدولة الأردنية, لن تقبل إلاَّ "إقامة الدولة الفلسطينية, وضمان حقِّ العودة".
jawad.bashiti@alarabalyawm.net
العرب اليوم