مَنْ لغير (وضحى) من الثكالى والمعدمين ؟
د. محمد حيدر محيلان
28-11-2024 12:53 PM
في وطن النشامى الذي نفاخر ونعتز باستقباله الملايين من لاجئي ومشردي العالم ، وتأمين مأوى وملاذ لهم امن وكريم ، يُفترض أن تظل كرامة الإنسان الاردني فيه مصونة، ومحترمة وقيمته عالية، نجد للاسف الكثير امثال ( وضحى الشهاب) بائعة الخضار والفواكه على طريق عمان اربد، منسية ومعدمة لا تجد مأوى يأويها، ولا علاجًا يخفف من آلامها، ولا مراسلا نشطاً (كمراسل راديو البلد ) النشمي، يوصل بكائها ودموعها إلى المسؤولين ليسمعها دولة جعفر حسان فيؤمِنَ لها مسكناً ويعالج عينيها، كما عالج عينيّ وضحى الباكيتين مما يجدن من ماء ابيض وازرق .
أولئك الثكالى، والمساكين، والمعدمون الكثر من (الوضحات) واخوانهن الذين لم يجدوا من يعثر عليهم في غيابات الفقر والالم والجوع والمرض ، من يلتفت إلى معاناتهم؟ من يوصل صوتهم لجعفر حسان صاحب الولاية والمسؤولية وغيره من المسؤولين ؟ .
في مشهد هزّ مشاعر المجتمع الاردني ، استطاعت مسنّة عرفت بـ”وضحى الشهاب ” أن تنبس بما تخفي من آلام ومعاناة، بعد ان غلبتها الدموع وضج بها الأسى والألم امام احد الصحفيين النشامى من اذاعة وراديو البلد ،الذي تبنى وجعها وحمل همها واطلق صرخة مدوية ، لاقت صداها على وسائل التواصل الاجتماعي، ما لبثت ان تناهت إلى رئيس الوزراء، ووزيرة التنمية الاجتماعية ، فتحركت فرقة من مسؤولي وزارة التنمية الاجتماعية لتامين سكنها وعلاجها مما تجد من عدم رؤيا في عينيها .
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا عن الآلاف من المساكين والثكالى الذين يعانون في صمت وقهر ومذلة ومرض يفتك بهم وضياع يشرد اطفالهم؟
هناك الكثير من الحكايات المؤلمة التي لم يسمعها أحد، ولم تصل إلى رئيس الوزراء أو أي مسؤول.
ففي كل زاوية وبقعة في الوطن، يعيش أناس لا مأوى لهم، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يعانون من أمراض أنهكت أجسادهم، و لا يجدون مالًا لدفع تكاليف العلاج.
هؤلاء الذين لم يعرف بوجودهم أحد، إلا الله، يرزحون تحت وطأة الفقر والمرض والخذلان. كثير منهم لا يملكون هاتفًا لتسجيل مقطع يوصل صوتهم، ولا يعرفون من يطرقون بابه لينصفهم.وان كان بعضهم يتلقى منحة من الضمان لا تسد فاتورة الكهرباء ولا الماء ، ولا تعين على شراء الدواء، او ما يسد الرمق من الطعام والشراب.
إن تأمين المأوى والعلاج لهؤلاء المشردين ، ليس رفاهية، او منة او جميل يمكن ان تسبغه عليه الحكومات، بل هو حق أصيل، وواجب إنساني ومسؤولية الدولة، بمؤسساتها المختلفة، لتأمين وضمان حياة كريمة لكل مواطن، وخاصة تلك الفئات الأضعف ممن تقادم بهم السن والهرم ، وخلت ايديهم من وثيقة التأمين الصحي التي تستر عافيتهم وتجنبهم ذل المسألة.
وربما اشترك في المسؤولية والخذلان ابناء المجتمع ممن تفضل الله عليهم بالغنى والمال الوفير ، بالاضافة للجمعيات الخيرية، ولجان المبادرات الشعبية، وحتى الأفراد الذين يمكن أن يكونوا جزءًا من الحل فيبلغون عن هؤلاء ممن يقطنون في احيائهم وقراهم ومخيماتهم..
لا يمكن ولا يعقل ان تظل الفزعة هي الحل، في مثل هذه الحالات التي تشكل اكبر من ظاهرة وواقع في المجتمع الاردني ، هؤلاء لا يحتاجون فقط إلى مساعدات عاجلة، ولكن المطلوب هو نظام اجتماعي شامل ينقذهم من براثن الفقر والمرض والإهمال، يتم من خلال مسح شامل لكل هذه الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة توثق احتياجات الفقراء والمهمشين، وتعمل على حل مشكلتهم وتامين حياتهم المعيشية الكريمة، والصحية المستمرة، بالاضافة الى إيصال المساعدات إليهم بشكل منتظم ومنظم.
المجتمع الاردني باكمله ممثلا في نوابه واعيانه والدولة شركاء في المسؤولية والمساءلة عن هذه الحالات المعدمة ، وعن المهمة الإنسانية والواجب الرسمي تجاه هؤلاء من ابناء الوطن . فلا كرامة لأمة لا تحفظ كرامة ابنائها وضعفهم، ولا خير في مؤمن يبيت وجاره جائع.
لا يجوز ان تنتظر الحكومة إن يصل صوت هؤلاء المُطبِق من الأسى والأجّش من البكاء ، إليها من خلال الصدفة والسوشال ميديا ، بل هي من تبحث عنهم من خلال مؤسساتها المعنية .
موقف دولة رئيس الوزراء ووزيرة التنمية الاجتماعية جميل ونبيل، رغم انه واجب لا ينتظران الشكر عليه، الا اننا نشكرهم ونشد على ايديهم لمتابعة (الوضحات ) واخوانهن، في وطننا العزيز وطن النشامى والنشميات، ولا ننسى موقف ودور الصحفي الانسان الذي مارسه بمهنية رائعة، ومهارة متفوقة ومشاعر نبيلة صادقة وصلت للمجتمع والمسؤلين بسرعة وحققت المطلوب، وذاك لعمري هو ضالة الصحافة الاستقصائية والصحفي الحصيف والمتميز .