النمري يكتب: حزب الله وسجال النصر والهزيمة
جميل النمري
28-11-2024 12:47 PM
رضي حزب الله من الغنيمة بالأياب مثخنا بخسائر باهضة وبإشتراطات لن تعيده الى ما كان عليه قبل الحرب. كان واضحا ان وقف النار على الجبهة اللبنانية اصبح بالمتناول بعد تراجع حزب الله عن ربط وقف النار بوقف العدوان على غزة. لكن نتنياهو مأخوذا بنشوة الانجازات مال الى مواصلة القتال لتحقيق المزيد وربما تطبيق نموذج غزة على جنوب لبنان بالتدمير والتهجير والدخول الميداني لإستئصال الحزب من هناك الى جانب مزيد من الأذى والدمار للبنية التحتية للحزب في الضاحية وكل لبنان وايضا لقاعدته الاجتماعية. وقد تحقق ذلك الى حد كبير لكن تدمير كامل ترسانة حزب الله وصواريخه لم يكن هدفا واقعيا فقد بقي الحزب وكان سيبقى قادرا على قصف العدو الى امد غير محدود وعليه اصبح التدخل الأمريكي ممكنا وضروريا لفرض وقف اطلاق النار.
من جانب اسرائيل لم يعد من مبرر لاستمرار الحرب سوى ان يستمر التفاوض تحت النار لفرض شروط تتجاوز تطبيق القرار 1701 ومنها حق الرقابة الدائمة فوق الجنوب وكل المعابر الحدودية اللبنانية لمنع امدادات السلاح لحزب الله، وحق التدخل العسكري في اي وقت ضد أي خروقات محتملة! وهي شروط يستحيل ان يوافق عليها الحزب حتى بعد تفويض نبيه بري والدولة اللبنانية بالتفاوض نيابة عنه، والدولة اللبنانية نفسها ما كانت تقبل بشروط تخرق السيادة الوطنية. فقام "الوسيط" الأمريكي بحل القضية بإبقاء نص الاتفاق عاما يتضمن فقط تطبيق القرار الدولي الذي يحرم وجود اي طرف مسلح غير الدولة اللبنانية ويكون تطبيق ذلك في جنوب نهر الليطاني بإشراف لجنة دولية تترأسها الولايات المتحدة وفي بقية لبنان يبقى شأنا خاصا بالدولة والأطراف السياسية اللبنانية. أما حق اسرائيل بالتدخل العسكري فقد اعطته الولايات المتحدة من طرفها كتفاهم ثتائي مع اسرائيل وهو ما يعني ان الاتفاق سيبقى خلافيا مع كل خطوة ولا يضمن عدم عودة القتال اذ لا يجيب على كثير من التعقيدات وآليات التنفيذ وجدول المواعيد خلال الستين يوما المقررة للانسحاب.
صيغة الاتفاق لا تعطي لأي طرف أن يعلن الانتصار. لكن نتنياهو ووزير دفاعه تحدثا بغطرسة القوي عن الاتفاق وبقاء الجيش برا وجوا لمنع اي انتهاك له. وميدانيا تم توجيه رسالة مستعجلة باطلاق النار وقتل ستة مدنيين من اللذين حاولوا العودة الى قراهم . وبصراحة فإن نتائج المزاجهة العسكرية كانت مدمرة لحزب الله والاتفاق كما هو القرار 1701 يمنع وجوده المسلح بالجنوب، وستكون مبررات استمرار سلاحه في بقية لبنان أضعف من اي وقت مضى.
لا احد يستطيع ان يلوم الحزب على فتح جبهة اسناد عسكري لغزة وسط التخاذل والعجز العربي والاسلامي التام حتى لو كنا نعلم أن الهدف في الجوهر هو دعم بقاء السلاح بيد حزب الله في المستقبل. ولو نجح الحزب في ابقاء المشاغلة مستمرة لا تتوقف الا مع وقف اطلاق النار على غزة لكان حقق مجدا ما بعده مجد وتسيد الساحة الداخلية اللبنانية بعدته وعتاده كما لم يحصل من قبل لكن الأمور مشت بطريقة مختلفه.
ولا يستطيع احد لوم الحزب على الموافقة على وقف اطلاق الناروفك الارتباط مع غزة فموازين القوى مالت بصورة كاسحة ضده والثمن على لبنان كان باهظا والخسائر التي مني بها الحزب خطيرة هددت وجوده كله. وخطة الحزب بحفظ مستوى الاشتباك محدودا وحدوديا اعتمادا على قوة الردع الصاروخية المتضخمة لم تنجح فنتنياهو واركان حربه قبلوا المغامرة والتحدي وضربوا في العمق بقدرات استخبارية صادمة فانكشف الحزب بصورة كارثية. وحتى الحليف الايراني اصبح ينشد السلامة لنفسه وما بقي من مكتسباته وادواته في لبنان وسوريا والعراق. هذا مع ان تصريحات بايدن لم تعط اي تطمينات لأيران بل العكس اذ اعتبر ان الاتفاق يسمح لاسرائيل باعادة التركيز على ايران، والمقصود ايضا ادوات ايران في المنطقة.
لا شك ان الاتفاق على جبهة لبنان سيشجع الأطراف على العمل على وقف اطلاق النار في غزة ايضا، لكنه سيشجع اسرائيل على العودة للمحادثات بغطرسة وتجبر اكبر.