ايجاد معايير موضوعية محددة لتقييم الحرب الطاحنة التي دارت على الجبهة اللبنانية منذ الثامن من تشرين اول / اكتوبر من العام الماضي و حتى فجر هذا اليوم السابع و العشرين من تشرين الثاني نوفمبر من العام 2024 ميلادي يعد مهمة شاقةً و عسيرة خاصةً في ظل هذا الظرف المشحون عاطفيا و استمرار العدوان على جماهير شعبنا في قطاع غزة الصامد المجاهد .
باديء ذي بدء لا بد من الاعتراف أن جبهة لبنان و حتى منتصف شهر أيلول / سبتمبر الماضي كان ينظر إليها من قبل العديد من المحللين و المراقبين في الشرق الأوسط باعتبارها جبهة إسناد ثانوية للمقاومة في قطاع غزة محكومة بقواعد اشتباك ضمن سقوف محددة لكن هجوم البيجرات الذي شنه العدو الصهيوني إن جاز التعبير ضد كوادر حزب الله و اغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله و العديد من قيادات هذا الحزب احدث تغييرا جذريا في نظرة هؤلاء إلى طبيعة الصراع المسلح على الجبهة اللبنانية .
التغيير في النظرة جاء كثمرة لمسعى حكام تل أبيب كسر العامود الفقري لهذا التنظيم المسلح اللبناني بكافة الوسائل و السبل هذا من جهة و من جهة أخرى لتصعيد الحزب مقاومته و قصفه الصاروخي وغاراته عبر المسيرات الانقضاضية على المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة على نحو أجبر أعداد كبيرة من سكانها على مغادرتها .
على أية حال يبدو من السابق لأوانه تقييم حجم الخسائر و الأضرار التي لحقت بكلا الطرفين بعيد ساعات قليلة من سريان وقف إطلاق النار إلا أنه من المؤكد أن كلاهما سعى جاهدا لتكبيد الطرف الآخر اكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية لاحداث تغذية راجعة تفضي إلى منع استئناف القتال في القريب العاجل رغم هشاشة هذه الهدنة التي ظهر جليا بأنها قد قامت على أسس غير متينة أملتها توازنات القوى المرحلية الآنية الظرفية واعتبارات داخلية لدى حزب الله والكيان على حدٍ سواء، و هذه بدورها قابلة للتغيير في أية لحظة مما يعني بالضرورة استئنافا للقتال على نسقٍ أعنف و أشد ضراوةً بكثير مما رأيناه على مدار أكثر من عام على هذه الجبهة الملتهبة المشتعلة .