facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الحموري يكتب: تشخيص الداء وتقديم الدواء


صالح سليم الحموري
28-11-2024 12:15 PM

تواجه الحكومات حول العالم تحديات متزايدة تعيق كفاءتها وتؤثر سلبًا على أدائها. تتجلى هذه التحديات في ارتفاع النفقات، تقليص الميزانيات، إخفاق مشروعات التحول الرقمي، الأخطاء الإدارية، وانخفاض الروح المعنوية للموظفين. على الرغم من تنوع هذه المظاهر، فإنها جميعًا تشير إلى مشكلة مركزية واحدة: التعقيد البيروقراطي الذي يحد من كفاءة العمليات الإدارية ويعطل تقديم الخدمات.

للتعامل مع هذه المشكلات، بدأت بعض الدول في اتخاذ خطوات جذرية لإعادة تعريف الإدارة الحكومية. ففي الولايات المتحدة، أُعلن عن تعيين "إيلون ماسك" لتحسين كفاءة الحكومة، في خطوة تعكس أهمية الابتكار الجذري لمواجهة الأزمات. أما في الإمارات، فقد أطلقت الحكومة برنامجها الرائد "تصفير البيروقراطية الحكومية"، الذي يهدف إلى إحداث تحول شامل في تقديم الخدمات.

هذه المبادرات تعكس إدراكًا عالميًا بأن الحلول التقليدية لم تعد كافية. الحكومات بحاجة إلى تغييرات جذرية تضعها على مسار جديد يواكب متطلبات العصر. من هنا ظهر مفهوم “10X”، الذي يدعو إلى تحقيق قفزات نوعية تضاعف الكفاءة بمعدل عشر مرات، بدلاً من الاعتماد على تحسينات تدريجية.

مفهوم “10X” ليس مجرد إطار نظري، بل هو رؤية عملية تُلزم الحكومات بتبني أساليب مبتكرة للتغلب على التحديات الهيكلية. الهدف هو بناء منظومة إدارية أكثر مرونة وكفاءة، قادرة على تقديم خدمات تفوق التوقعات.

في كتابه "تجميل الإدارة الحكومية"، يشبّه "كين ميلر" المؤسسات الحكومية بشبكة مواسير تنقل الموارد والخدمات. في الماضي، كانت هذه المواسير مستقيمة وفعّالة، مما سمح بتدفق سلس للخدمات. لكن مع مرور الوقت، زادت التعقيدات الإدارية، فأصبحت المواسير مليئة بالالتواءات والعوائق التي تبطئ الأداء وتُهدر الموارد.

الحل لا يكمن في توسيع المواسير أو بناء المزيد منها، بل في إزالة الالتواءات والعقبات لتبسيط العمليات.

أن تصفير البيروقراطية في العمل الحكومي يبدأ بإعادة النظر في كيفية إدارة العمليات وتصنيف المتعاملين. فمن غير الفعّال التعامل مع جميع المتعاملين بنفس الطريقة. على سبيل المثال، يمكن توجيه المتعاملين المتمرسين إلى قنوات سريعة، بينما يُقدَّم دعم إضافي للمتعاملين الجدد لضمان تجربة ميسّرة.

كذلك، بدلاً من معالجة الطلبات بترتيب متسلسل، يمكن تنفيذ العمليات بشكل متزامن. كما هو الحال في بناء المنازل السريعة، حيث تُنفذ جميع المراحل بالتوازي، يمكن للحكومات تسريع الإنجاز من خلال معالجة الإجراءات المختلفة، مثل المراجعات القانونية والموافقات المالية، في وقت واحد.

كما أن ظاهرة "عنق الزجاجة" تمثل تحديًا كبيرًا للحكومات. إنها النقاط الأكثر ازدحامًا واختناقًا في الإجراءات الإدارية، حيث تتراكم المهام وتتأخر الخدمات. لمعالجة هذه الظاهرة، يجب تحليل تدفق العمل لتحديد النقاط الحرجة، ثم إعادة تصميم العمليات لتخفيف الضغط على هذه النقاط. قد يشمل ذلك تبسيط الإجراءات أو توزيع الأعباء على فرق عمل إضافية.

إحدى العادات السلبية الشائعة في العمل الحكومي هي تأجيل معالجة الطلبات حتى تتراكم. هذا النهج يؤدي إلى تأخير غير مبرر وزيادة وقت الانتظار. الحل هو العمل الفوري على الطلبات فور ورودها، مما يضمن تدفقًا مستمرًا وسريعًا.

لتقليل الأخطاء من البداية يمكن تطبيق مفهوم "بوكايوكي" الياباني، الذي يركز على منع الأخطاء من البداية، من خلال توفير إرشادات واضحة للمتعاملين حول الوثائق المطلوبة أو استخدام أنظمة إلكترونية تنبههم عند وجود نقص في طلباتهم. هذا النهج لا يُسرّع فقط من تقديم الخدمات، بل يُقلل أيضًا من الضغط على الموظفين.

النتائج المتوقعة جسب الدراسات ستكون حكومة أسرع وأكثر كفاءة حيث أن تطبيق هذه الاستراتيجيات يضمن تحقيق تحول جذري في الأداء الحكومي، مع فوائد ملموسة تشمل:

•تسريع تقديم الخدمات: تقليل وقت الإنجاز بنسبة تزيد عن 80%، مما يُعزز رضا المتعاملين.
•خفض التكاليف التشغيلية: من خلال تحسين استغلال الموارد وتبسيط العمليات.
•تعزيز رضا الموظفين والمتعاملين: بيئة العمل الأكثر مرونة تُحفّز الموظفين على الإبداع، وتُحسن تجربة المتعاملين.
•زيادة الشفافية والثقة: العمليات الواضحة والمبسطة تُعزز ثقة المجتمع في الحكومة.

وفي الختام، تصفير البيروقراطية ليس مجرد هدف مرحلي ينتهي بتحقيق بعض التحسينات، بل هو رؤية استراتيجية لبناء حكومات رشيقة وقادرة على التكيف مع متغيرات العصر الحديث ومواجهة تحدياته بفعالية، حيث أن الإدارة الحكومية ليست وظيفة تقليدية تنحصر في تقديم الخدمات، بل هي رسالة سامية تتطلب رؤية واضحة وإرادة صلبة لإحداث تغيير حقيقي ومستدام.

من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن للحكومات تجاوز العقبات التقليدية، وتقديم خدمات ترتقي إلى مستوى توقعات المتعاملين بل وتفوقها. كما يمكنها بناء علاقة طويلة الأمد مع المجتمع تقوم على الثقة، الكفاءة، والابتكار، وأن تصفير البيروقراطية يمثل البداية فقط، أما الهدف الأسمى فهو تأسيس نموذج حكومي عالمي يُحتذى به، يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة، ويضع رفاهية الشعوب في صلب أولوياته.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :