التسوية على الجبهة اللبنانية وانعكاساتها
د.أحمد بطاح
28-11-2024 07:34 AM
بعد حرب غير قصيرة ومدمّرة بين إسرائيل وحزب الله تم وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية وفرنسية نشطة، وحسب الشروط المُعلنة فإنّ إسرائيل سوف تسحب قواتها من الجنوب اللبناني، كما ستوقف هجماتها الجوية وغيرها، وبالمقابل فإنّ حزب الله سوف يتراجع بمقاتليه وأسلحته إلى شمال نهر الليطاني، وخلال مدة 60 يوماً يفترض أن يعزّز الجيش اللبناني وجوده في منطقة الجنوب جنباً إلى جنب مع القوات الدولية (اليونيفل)، وكل ذلك بإشراف لجنة خماسية من الولايات المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل، ولبنان، واليونيفيل، ويبدو أنّ هناك مُلحقاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل يتيح للأخيرة أن تتدخل "عندما تجد أن هنالك انتهاكاً للاتفاق".
ولكن.. ما الانعكاسات المُنتظرة لهذه التسوية: على الطرفين المتحاربين وعلى الأطراف الأخرى ذات العلاقة؟.
إنّ من الواضح أن إسرائيل سوف تحقق مكاسب مؤكدة من خلال هذه التسوية وأهمها:
أولاً: إعادة مهجري مستوطنات الشمال الاسرائيليين (بين 60 - 100.000) إلى أماكن سكناهم وبخاصة أن نتنياهو وعدهم بذلك، بل وجعل إعادتهم هدفاً من أهداف الحرب.
ثانياً: فصل ساحة الحرب في الشمال (اللبنانية) عن ساحة الحرب في الجنوب (الفلسطينية)، وبخاصة أن إسرائيل كانت تطالب دائماً بهذا الفصل بينما كان حزب الله يصر عليه، بل إنه جعل فتح جبهة لبنان "معركة إسناد" للمقاومة الفلسطينية في غزة.
ثالثاً: إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، الأمر الذي يعني إبعاد مقاتلي الحزب وأسلحته عن الحدود (الخط الأزرق) وتدعيم هذا الخط بقوات أكبر من "اليونيفيل" (القوات الدولية)، وقوات بعض الدول الضامنة مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
ولكن... ماذا يمكن أن يحقق لبنان وحزب الله في المقابل؟ فيما يتعلق بلبنان يعني وقف إطلاق النار وقف عملية التدمير المُمنهج الذي تقوم به إسرائيل والذي تمخض حتى الآن عن استشهاد أكثر من 3.000 وجرح أكثر من 14.000 مدني، فضلاً عن نزوح أكثر من مليون مواطن من أماكن سكناهم، كما أنه يضمن عدم تفاعل ظروف الحرب وتطورها إلى ما يشبه "الفتنة" بين مكونات المجتمع اللبناني إذْ من المعروف أن هناك بعض الطوائف اللبنانية التي لا تريد الحرب مع إسرائيل، وقد عارضت منذ البداية ما سماه حزب الله "حرب الإسناد"، وغني عن القول أن إسرائيل تسعى ضمن ما تسعى إليه إلى تأليب بعض مكونات المجتمع اللبناني على حزب الله وتحميله مسؤولية الدمار والنزوح الحاصلين، بل وتأمل أن تتمكن ولو لاحقاً من نزع سلاح حزب الله، وجعله حزبّاً سياسياً لا أكثر ولا أقل.
إن التسوية سوف يكون لها انعكاسات حقيقية على الوضع في المنطقة ولو إلى حين فهي من جهة سوف تعني "الاستفراد" الإسرائيلي بالمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس في غزة بكل ما يعنيه ذلك من مآلات، وسوف يعني "إسكات" الجبهة اللبنانية إلى مدة طويلة وإن لم يكن نهائياً بفعل "الترتيبات الجديدة"، وسوف يعني استمرار الهجمات الإسرائيلية على الأرض السورية حيث تبدو إسرائيل عازمة على قطع طريق طهران- دمشق - لبنان. صحيح أنها قد لا تستطيع ذلك تماماً ولكنها -ولديها غض النظر الأمريكي بل والروسي (جاء الأخير بعد زيارة "دريمر" وزير الشؤون الاستراتيجية إلى موسكو)- سوف تحاول ذلك جاهدةً وبفرص لا بأس بها من النجاح.
أما الخاسران الأكبران من هذه التسوية فهما حزب الله وإيران، فالحزب سوف يضطر إلى تراجع إلى شمال الليطاني، كما سيضطر إلى القبول بالفصل بين "الساحات" (وبالذات بين لبنان وغزة) كما سوف يعمد إلى إعادة تأهيل نفسه عسكرياً وتنظيمياً بعد الضربات المُوجعة التي تعرض لها وإن كان أظهر قدرة غير عادية على "لملمة" نفسه، ومن المؤكد أن الحزب سوف يتعاطى بمرونة أكبر مع أقرانه من الأحزاب والقوى اللبنانية وصولاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وتعيين رئيس وزراء كما أشار إلى ذلك صراحةً أمين حزب الله في خطابه الأخير.
ولكن هل سوف يعني هذا انتهاء حزب الله كقوة عسكرية؟ إنّ ذلك أمرٌ مستبعد، فالحزب تنظيمٌ عسكريٌ كبير وهو قادرٌ على تصنيع بعض الأسلحة ولن يعدم طُرقاً لجلب بعضها الآخر، وفضلاً عن ذلك فهو يستند إلى حاضنة اجتماعية موالية له، ومن هنا فإنه لن يتنازل عن "وضعه" بسهولة، وسوف يقاوم فكرة تحوّله إلى مجرد حزب سياسي، وعليه فإنّ آفاق الصراع بين لبنان وإسرائيل لن تنتهي في المستقبل المنظور على الأرجح، بل سوف تظل احتمالاً قائماً.
أمّا إيران فمن المتوقع في ضوء التسوية المنتظرة أن ينحسر نفوذها ولو مؤقتاً بفعل الظروف المستجدة في سوريا (التي تُضرب باستمرار ولا تبدو راغبة في خوض غمار الحرب الحالية)، وفي لبنان حيث يكافح حزب الله من أجل الحفاظ على بنيته العسكرية في مواجهة إسرائيل، ومن أجل الحفاظ على نفوذه المُعتبر في الساحة اللبنانية.
إنّ التسوية التي تمت سوف تعمل على تضاؤل النفوذ الإيراني في المنطقة، ولكن من غير الممكن أن تخسر إيران "وزنها" كقوة إقليمية، فهي في النهاية تستند إلى "شرائح اجتماعية كبيرة" مناصرة لها في بعض الدول العربية، فضلاً عن أنها تتوفر على قوة عسكرية متنامية ومهمة.