سلوى ابو خضرا .. وداعا لن تنساك فلسطين
يوسف عبدالله محمود
28-11-2024 07:26 AM
سلوى أبو خضرا مناضلة فلسطينية ولدت في مدينة يافا عام 1929. وجه فلسطيني مضيء. سيرة حياتها تحدثك عن تجارب نضالية عاشتها منذ شبابها المبكر. ورثت هذا العنفوان عن المرحوم والدها احد زعماء الثورة الفلسطينية. حاصلة على دبلوم الدراسات العليا في الادب الفرنسي من الكلية اليسوعية في بيروت. هي بحق من اعلام فلسطين. فلسطينية حتى النخاع.
في وصفها لنفسها تقول: انا فتحاوية قبل تأسيس حركة فتح. والدها كان من طليعة الثوار الذين قاتلوا ضد الانتداب البريطاني ومن بعده عصابات الاحتلال.
في حوار أجري معها تقول: لأبي الفضل في كوني مناضلة. والدتها سورية الأصل من عائلة عريقة هي عائلة المالكي.
في الحوار معها تقول: "انضم والدي الى ثورة سلطان باشا الأطرش حين كان في الشام. وفي يافا بدأ نضاله، كان مع غيره من الثوار يخبئون الأسلحة والعتاد في أكياس –شوالات أبو خط احمر- ويضعونها تحت الأسرة، ويطلب منا عدم فتحها".
هذا النوع من الثوار تحتاجه فلسطين. لم يساوموا على مبدأ. أصحاب شموخ وعنفوان كانوا. ستظل فلسطين ولادّة لأمثال هؤلاء الثوار.
وحين بدأت بوادر الحركة الصِّداميّة مع عصابات الاحتلال، "ارتأي والدي ان ينقلنا الى الشام خشية ان يرانا انا وامي سبايا لدى هذه العصابات الإرهابية". وعلى مضض سافرنا الى الشام.
وبكلماتها: "كان رأيي ان نبقى في يافا ونموت مع من يموت او نحيا مع من يعيش". "في هذه اللحظة حيث الطموح الى النصر".
تجسدت امام ناظريها معركة ستالنغراد الشهيرة. غادرت سلوى أبو خضرا يافا وهي تذرف الدموع السخية. كيف لا وهي التي فتحت عينيها عليها. كيف تغادر بساتين يافا واريجها وبيارات البرتقال وشاطئ يافا الوضّاء.
بعد ان اوصلهم الوالد الى الشام عاد مع اخيها الأكبر الى يافا وبقي هناك حتى نهاية حرب 1948. لم يغادرها الا حين أصيب فقرر السفر الى سوريا حيث اقلته سيارة اسعاف، غادر يافا رافضاً التوقيع على تسليمها. انه الإباء بعينه. وانها المواطنية التي بتنا لا نعيشها اليوم كما يحب.
ولشده حزنه على فراقها توفي وله من العمر 42 عاماً. قامة نضالية كان، رحل مبكراً.
سلوى أبو خضرا لم يحبطها اليأس ففي سوريا عملت كمتطوعة مع جمعية تحرير فلسطين. "ولم يطل بي المقام إذ قررنا مغادرة الشام الى قطاع غزة بواسطة قارب صيد –كما تقول- سافرنا من البنان، وعندما اصبحنا بمحاذاة ساحل يافا بكيت". إنه الحنين وانه الشوق.
بعد عام 1958 سافرت سلوى أبو خضرا الى الكويت، وهناك أسست مدرسة دار الحنان. في البداية كان المشروع "حضانة" ثم تطور وكبير ليغدو مدرسة ثانوية ذات سمعة وطنية.
لم تكن دار الحنان مجرد مدرسة بل كانت –كما تقول- ملتقى للسياسيين والنشطاء الفلسطينيين من جميع فصائل العمل والوطني. شغلها الشاغل كان الهم الفلسطيني لسان حالها يردد قول الشاعر:
ولي وطن آليت الا ابيعه والا أرى غيري له الدهر مالكا
وعلى منوال والدها أسست مبادرة تطوعية لارسال المتطوعين الفلسطينيين للقتال في الجبهات العربية ضد إسرائيل.
وفي العام 1968 شاركت سلوى أبو خضرا هي وأم جهاد (انتصار الوزير) وأم اللُّطف في مؤتمر الوحدة الافريقية للنساء والذي عقد في الجزائر، وكما تقول: هناك رفعنا العلم الفلسطيني لأول مرة.
سلوى أبو خضرا كانت اول سياسية وطنية فلسطينية تدخل فلسطين بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 مع وفد شارك في مؤتمر لليونسكو لبحث المناهج الفلسطينية التربوية. وفيّه ايضاً لرسالتها التربوية. كم من طالبة فقيرة احتضنتها دون رسوم. صقلت شخصيتها التجارب النضالية، فزادت – لمعاناً وتألقاً.
وتستذكر هذه المناضلة لحظة اعلان الدولة المستقلة عام 1988 في الجزائر، يومها وقف د. جورج حبش وامسك بيد الرئيس أبو عمار وقال له: ارجو يا اخ أبو عمار ان تكون انت على حق وانا على خطأ. وتضيف قائلة: "وهذا ما نتمناه الآن، ان تتحقق الوحدة من جديد ونتدارك الأخطاء".
وللأسف، هذه الوحدة المنشودة باتت العواصف تعصف بها، كم من مرة تآلف الأخوة وتعاهدوا على الوحدة، ومع الأسف سرعان ما دب الانقسام بينهم.
سلوى أبو خضرا تقيم الآن في عمان. حنينها الى يافا لا يعدله حنين. حنينها الى رائحة البرتقال وملاعب الصباء يفوق كل حنين.
سلوى أبو خضرا لم تساوم يوماً على فلسطينيتها.
"رأي اليوم"