الله يلعن ابو المراجل .. اللي تاليها ترجاية ..
محمود الدباس - ابو الليث
27-11-2024 11:03 PM
في أحد الأيام.. رافقتُ مالك الشركة التي كنت أعمل فيها.. إلى اجتماع مع صديق له في إحدى الدول العربية.. وصلنا إلى مكتبه في اللحظة ذاتها التي وصل فيها.. كان الغضب جليّاً على وجهه.. وبدا أن حادثاً بسيطاً قد أشعل فتيل ذلك المزاج.. حكى لنا أن مرآة سيارته لامست سيارة أخرى على دوار حساس وسط المدينة.. فأوقف صاحب السيارة الأخرى مركبته بشكل استعراضي امام سيارته داخل حرم الدوار.. نزل منها مسرعاً.. تحدث مع رجال المرور بحدة.. ثم عاد ليصرخ في وجه صاحبنا.. "انت عارف مين أنا؟!.. وكيف تضرب سيارتي؟!"..
لم تكد كلمات ذلك الرجل تغادر فمه.. حتى اقترب ضابط مرور.. وقف بجانبه وطالب صديقنا برخص القيادة.. رغم أن جميع من شاهدوا الحدث.. كانوا يعلمون أن السائق الثاني هو المخطئ.. وبعد شد وجذب.. تبيّن أن ذلك السائق ملازم في جهاز مباحث الامن.. ظن أن نفوذه سيفتح له كل الأبواب.. ويخرجه من أي مأزق.. ويقلب الباطل حقاً.. لكن صديقنا.. وقد نفد صبره.. رفع صوته أخيراً.. وعرّف بنفسه وقال.. "أنا العميد فلان.. من المباحث العامة (المخابرات)".. هنا حل الصمت القاتل.. وبدأ الملازم وضابط المرور مسلسل الترجاية والاعتذارات..
هذه القصة ليست مجرد مشهد عابر.. بل هي مرآة للكثير من المواقف التي نراها في الحياة.. بين الأفراد.. وفي الصراعات التجارية.. أو حتى بين الدول والجماعات.. حيث يخطئ البعض في تقدير قوته.. أو قوة خصمه.. فيندفع متسلحاً بغروره.. ظاناً أنه الأقوى.. ليكتشف.. في لحظة الحقيقة.. أنه لا يملك سوى نفوذ هش.. أو سندٍ لا يضاهي قوة من يقف في الطرف الآخر..
كم من رجل أعمال بدأ حرباً اقتصادية ضد غريمه.. دون أن يدرك أن الطرف الآخر يملك ملاءة مالية.. تجعله قادراً على الاستمرار والصمود.. ودفع الثمن حتى النهاية.. لتكون النتيجة إفلاس الأول.. وخروجه من السوق.. وكم من جماعة أو دولة استهترت بخصومها.. فتورطت في معارك لا تُحمد عقباها.. لأنها أساءت الحساب.. أو تجاهلت التحالفات التي قد تُرجح كفة الميزان..
ليس الخطأ في الخطوة الأولى فقط.. بل في غياب التقدير الصحيح.. وفي الاستخفاف بالخصوم.. أو الظروف المحيطة.. او التحالفات والفزعة الوهمية.. فلا يكفي أن تكون على حق لتضمن الانتصار.. ولا يكفي أن تكون قوياً لتخرج منتصراً.. القوة الحقيقية تكمن في الحكمة.. وفي حساب الخطوات قبل الإقدام عليها..
رسالتنا واضحة.. المراجل التي تنتهي بالترجاية.. ليست مراجل أصلاً.. ومن يرفع صوته.. قبل أن يحسب قوته وقوة خصمه.. قد يكون صيره الانحناء في النهاية.. لأن الشجاعة ليست في الصراخ.. بل في أن تعرف متى تصمت.. ومتى تتحدث.. ومتى تُقدم على المواجهة وأنت واثق من مآلاتها.. فـ"قِيس قبل أن تَغيص".. ولا تكن كمن ينادي بالمراجل.. ثم ينتهي به الحال يطلب العفو والترجاية..