إن الحديث عن الفرق بين المدير والقائد يعكس قضية محورية في تطوير القطاعين العام والخاص، حيث يبرز صراع يتعلق بتحديد الأولويات بين تطوير المهارات القيادية أو توزيع المناصب بين الأفراد دون الالتفات للكفاءة.
هذا الصراع يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن إيجاد نموذج قيادي يجمع بين المهارات الفنية والإدارية والشخصية في إطار تكاملي؟ وما هي معايير الكفاءة والقيادة التي تنسجم مع الخصوصيات المختلفة؟

الإدارة وعلم المهارات والقيم ..

يُعد علم الإدارة من الحقول التي تطورت عبر الزمن، بدءًا من نظريات الإدارة التقليدية التي قدّمها "فريدريك تايلور " في “الإدارة العلمية”، والتي ركزت على تحسين الكفاءة الإنتاجية، وصولاً إلى النظريات الحديثة مثل “نظرية الأنظمة” لـ "لودفيغ فون برتالانفي " التي تعكس أهمية التفاعل بين عناصر المؤسسة.

تركز النظريات الحديثة على ضرورة امتلاك المدير لمهارات فنية وعلمية تعززها سمات سلوكية أساسية، مثل القدرة على التواصل والعمل الجماعي ، ويُضاف إلى ذلك أهمية الالتزام بالقيم الأخلاقية كأركان أساسية للنجاح المؤسسي، مثل الشفافية، العدالة، والتسامح.
كما أشار العالم "بيتر دراكر، " الملقب بـ “أبو الإدارة الحديثة”، إلى أن المدير الفعّال هو الذي يستطيع تحويل الأهداف الاستراتيجية إلى نتائج ملموسة.

القيادة والتأثير والإلهام …

أما القيادة، فهي مجال أعمق يتطلب مهارات استثنائية. يتحدث جون ماكسويل، أحد أبرز علماء القيادة، عن أن القائد الحقيقي هو من يُلهم فريقه لتحقيق الأهداف من خلال بناء الثقة والتأثير الإيجابي وهنا يركز "جون ماكسويل " على أن القيادة تتعلق “بالتأثير، لا أكثر ولا أقل”.

القائد الناجح يمتلك رؤية واضحة، يعمل على تحقيقها من خلال التشجيع على العمل الجماعي، وبناء جسور الثقة داخل فريقه.
كما أن القائد لا ينافس فريقه، بل يعمل على إيجاد قادة آخرين من خلال التمكين، وهو ما يُطلق عليه عالم القيادة وارن بينيس “فن تمكين الآخرين”.

الفرق بين المدير والقائد

عبارة “كل قائد مدير، ولكن ليس كل مدير قائد” تعكس جوهر النقاش بين علماء الإدارة والقيادة. هنا يُبرز هذا النقاش أهمية تحديد الفارق بين من يمتلك المهارات التنظيمية والإدارية فقط، ومن يستطيع التأثير والإلهام لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.

يتضح أن المدير يُركز على العمليات والإجراءات اليومية، بينما القائد يركز على الصورة الكاملة وعلى تطوير الفريق ، وكما أشارت نظرية أساليب القيادة إلى أن القائد الديمقراطي يُحقق التوازن الأفضل بين التركيز على المهام وبناء الفريق، مقارنة بالقائد التسلطي أو الفوضوي.

فرضية الفشل الإداري …

تتكرر في العديد من المؤسسات ظاهرة الفشل الإداري بسبب اختيار غير مناسب للأشخاص في المناصب القيادية.
وهنا تُطرح فرضية:
“هل كل فاشل مسؤول، أم كل مسؤول فاشل؟”
دراسة هذه الفرضية تتطلب مراجعة تاريخ الأفراد الذين شغلوا مناصب قيادية في المؤسسات الفاشلة. وتشير نظريات علم الاجتماع كما ورد في نظرية “البيروقراطية”، فام الهياكل الصارمة والممارسات الإدارية الخاطئة تؤدي إلى تكرار الفشل بدلًا من التعلم منه.

يُضاف إلى ذلك تحذير ألبيرت أينشتاين: “من الغباء أن تعيد نفس التجربة مرتين وتتوقع نتيجة مختلفة.”، مما يُبرز أهمية الابتكار في تطوير الإدارة والقيادة لتجنب الفشل المتكرر.

النجاح كنموذج للتعلم …..

من النماذج الحديثة التي نجحت في التحول من الفشل إلى التميز، نجد الدول التي اعتمدت على منظومات مؤسسية حديثة مثل فنلندا، التي قامت بإعادة هيكلة نظامها التعليمي والإداري لتعزيز الكفاءة والشفافية.

كما تُظهر المؤسسات الناجحة أهمية اختيار الأشخاص ذوي المهارات المناسبة للقيادة.
يُشير "جيم كولينز " في كتابه “من الجيد إلى العظيم” إلى أن “القيادات من المستوى الخامس” هي التي تجمع بين التواضع الشخصي والإرادة المهنية لتحقيق النتائج المتميزة.

خلاصة،،
استفيدوا من النجاح ….

ختامًا، كنا نقول سابقًا “استفيدوا من فشل الآخرين”، ولكن الجديد الآن هو أن نقول: “استفيدوا من نجاح الآخرين”. النجاح هو التجربة الأكثر قيمة للتعلم، خاصة إذا تم دعمها بنظريات حديثة وتجارب حقيقية.