أقر مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2025، تمهيدًا لإحالته إلى مجلس الأمة. يأتي هذا المشروع في إطار زمني دستوري ووفق رؤية اقتصادية تستند إلى فرضيات واقعية تأخذ بعين الاعتبار الظروف الإقليمية والتحديات الاقتصادية الراهنة. ابتداءً، يرتكز مشروع الموازنة على تمويل مشاريع تنموية كبرى تتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي، أبرزها مشروع الناقل الوطني للمياه وسكة الحديد التي تربط ميناء العقبة بمناطق التعدين؛ حيث تمثل هذه المشاريع خطوة مهمة نحو تحسين البنية التحتية ودعم النمو الاقتصادي المستدام، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية التي تؤثر على الاستثمار والنشاط السياحي.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى المشروع لتحقيق التوازن بين توفير الإنفاق اللازم لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى وخفض نسب خدمة الدين الخارجي. وتظهر هذه الجهود بوضوح من خلال تخصيص نفقات رأسمالية بلغت 1,469 مليون دينار، بزيادة نسبتها 16.5 % (على مستواها المعاد تقديره) مقارنة بالعام الحالي، وذلك لتمويل بناء المستشفيات والمدارس الجديدة وصيانة المنشآت القائمة.
تقدر النفقات العامة للعام 2025 بحوالي 12,511 مليون دينار، منها 11,042 مليون دينار للنفقات الجارية و1,469 مليون دينار للنفقات الرأسمالية. أما الإيرادات العامة، فتبلغ 10,233 مليون دينار، منها 9,498 مليون دينار من الإيرادات المحلية، و734 مليون دينار من المنح الخارجية. كما يظهر المشروع جهودًا حثيثة لتعزيز الاعتماد على الذات من خلال زيادة نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية إلى 86 %، مقارنة بـ81.6 % في العام الحالي. كما انخفضت نسبة الاعتماد على المنح الخارجية لتصل إلى 5.9 %، ما يعكس نجاح الأردن في تعزيز نهج الاكتفاء الذاتي على مدى السنوات الماضية.
تتوقع الحكومة نمو الاقتصاد الوطني بنسبة حقيقية تبلغ 2.5 % ونموًا اسميًا بنحو 4.9 %، مع المحافظة على معدلات تضخم معتدلة. يهدف هذا التوجه إلى تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، ما يسهم في تحسين مناخ الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة. وفي السياق ذاته، تلتزم الحكومة بتعزيز الحماية الاجتماعية، يتضمن مشروع الموازنة زيادة في مخصصات شبكة الحماية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية. من المتوقع أن تستفيد 15 ألف أسرة جديدة تضم حوالي 90 ألف فرد من هذه المخصصات.
أما في مجال التعليم، فقد تمت زيادة مخصصات صندوق دعم الطالب الجامعي بنسبة 50 % لتصل إلى 30 مليون دينار. هذا الدعم الإضافي سيُمكّن الصندوق من زيادة عدد المستفيدين بنحو 9 آلاف طالب وطالبة، ليبلغ الإجمالي حوالي 53 ألف مستفيد. كما يشمل المشروع مخصصات مالية لدعم السلع الغذائية الاستراتيجية مثل أسطوانة الغاز المنزلي والقمح والشعير، بالإضافة إلى الدعم غير المباشر لقطاعات المياه والكهرباء والصحة. كما تم رصد مخصصات كافية لدعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بهدف تعزيز قدراتها على الحفاظ على أمن واستقرار الوطن.
يعكس مشروع قانون الموازنة للعام 2025، واقعية مطلوبة وفهماً اقتصادياً جيداً والتزام الحكومة بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي تستند إلى تعزيز الاعتماد على الذات، وتحقيق التوازن بين الإنفاق والاستثمار، ودعم القطاعات الحيوية، وهو ما يؤطر لعمل اقتصادي حقيقي يبتعد عن الشعبويات ويرسم ملامح واعدة لتحسين الواقع الاقتصادي الصعب، خاصة مع تزايد التحديات الإقليمية والضغوط الاقتصادية. وبالتأكيد، يبقى تحقيق الأهداف المنشودة مرهونًا بفعالية تنفيذ المشاريع المقترحة وقدرة الحكومة على تحويل الأفكار لواقع يلمسه الناس.
الغد