تسريع الأعمال .. أم تلميع للصورة؟!
محمود الدباس - ابو الليث
23-11-2024 08:50 PM
عندما نقرأ عنواناً يصرّح بأن مسؤولاً ما.. قد "وجّه بتسريع العمل" في مشروع او آجراء معين.. تتداعى إلى أذهاننا أسئلة لا تنتهي.. حول دلالات هذا التوجيه.. هل هناك تقصير.. أو تراخٍ فعلي في العمل يستدعي هذا التوجيه؟!.. وإن كان الأمر كذلك.. لماذا لا يتضمن الخبر تفصيلاً يوضح حجم المشكلة وأسبابها؟!.. أم أن هذا التوجيه هو مجرد استعراض إعلامي.. لإبراز صورة ذلك المسؤول كمحرك أساسي للعمل.. وكأنه هو من أعاد الحياة للمشروع او الإجراء؟!.. وإذا كانت المشاريع والإجراءات تُدار بهذه الطريقة.. فما الرسالة التي تصل للمجتمع؟!.. هل أصبحنا نعتمد على الفزعات.. والتحفيزات المؤقتة لإدارة المشاريع وتنفيذ الإجراءات.. بدلًا من التخطيط المسبق.. والالتزام بالجداول الزمنية المدروسة.. وكذلك ما تحويها الاجراءات من مراحل مطلوبة وأساسية؟!..
ما يغيظنا أكثر.. هو عندما نقرأ خبراً عن إحدى مؤسسات الدولة.. والتي تقوم بأعمالها الروتينية المعتادة.. تلك الأعمال التي أُنشئت الجهة ذاتها لأجلها.. ولكن الخبر يُصاغ بطريقة تجعلك تشعر.. وكأن الأمر استثنائي.. فتجد العبارة الشهيرة "بتوجيه من المسؤول الفلاني.. تم التعامل مع الحدث الفلاني".. وكأن هذه المؤسسة.. لم تكن لتقوم بواجبها.. لولا هذا التوجيه.. أو أن العاملين فيها.. ينتظرون إشارة المسؤول.. للقيام بما هو أصلاً من صميم عملهم!.. كيف يمكن تفسير ذلك؟!.. هل أصبحنا بحاجة إلى تذكير المجتمع.. بأن المسؤول الفلاني موجود.. وبأنه يعمل؟!.. أم أن الأخبار باتت تُفصّل لتُظهره كالبطل الوحيد.. والذي لولاه لتوقفت حياة ووجود تلك المؤسسة؟!..
إلى الإعلاميين والناطقين الرسميين.. لماذا تُصرّون على صياغة الأخبار بهذه الطريقة السطحية.. التي تُثير الاستفهامات.. بدلاً من تقديم إجابات واضحة؟!.. لماذا لا يُقال مثلاً.. إن المسؤول الفلاني.. قام بجولة تفقدية على المشروع او مراكز المؤسسة.. واطّلع على سير العمل.. وأبدى ملاحظاته سواء بالإشادة أو بالتوجيه؟!.. ألا يجدر بالإعلام أن يكون مرآة حقيقية للواقع.. لا أداة تُستخدم لتلميع صورة المسؤولين.. أو استعراض دورهم؟!.. إن الأخبار التي تنقل الوقائع بحيادية وصدق.. هي وحدها القادرة على بناء الثقة بين الدولة والمواطن.. أما الأخبار المليئة بالمبالغات والتلميحات غير المبررة.. فهي لا تفعل سوى تقويض هذه الثقة وإثارة الشكوك..
علينا أن ندرك جميعاً.. أن مؤسسات الدولة وُجدت لتخدم المواطن.. وتؤدي واجباتها.. دون حاجة إلى تعليمات أو توجيهات يومية..
والمسؤول الذي يريد أن يترك بصمة حقيقية.. عليه أن يُركز على تطوير الأداء.. وتحقيق الأهداف الكبرى.. لا الاكتفاء بالظهور الإعلامي.. لتسجيل مواقف تُنسى مع مرور الزمن..
الإعلام.. كغيره من القطاعات.. عليه مسؤولية وطنية.. تتمثل في نقل الحقيقة كاملة.. دون تزييف أو مواربة.. لأن المواطن لم يعد يقبل التصفيق لعناوين.. لا تحمل في طياتها سوى الفراغ..