facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وما نحن سوى ذكرى وأثر


لانا ارناؤوط
23-11-2024 06:58 PM

الكلمة هي أعظم ما أبدعه الإنسان على مر العصور، فهي وسيلته للتعبير عن ذاته، وهمومه، وأحلامه، وهي أيضاً أداته لتحقيق الخلود الذي لطالما سعى إليه في مواجهة حتمية الموت وغموض ما بعده. منذ فجر وجوده على هذه الأرض، لم يتوقف الإنسان عن محاولاته لترك بصمة تخلّد وجوده، سواء عبر تشييد الأبنية العظيمة، أو حفر النقوش على الصخور، أو ابتكار أدوات الفن والإبداع. هذه المحاولات ليست إلا تعبيراً عن رغبة الإنسان العميقة في البقاء، ورغبة تتجاوز الزمن لتصل إلى أجيال لم تشهد وجوده.

تقدم الحضارات التي نعرفها اليوم، كالحضارة الفرعونية، والإغريقية، والبابلية، والنبطية، والفارسية، وغيرها، شواهد حيّة على هذا السعي. فقد تركت تلك الحضارات آثاراً امتدت لآلاف السنين، بما في ذلك المعابد، والنقوش، والمنحوتات، والكتابات التي بقيت رمزاً لخلودها. لكن هذا الخلود لم يقتصر على الجماعات فحسب، بل سعى الأفراد أيضاً لتحقيقه. لجأ البعض إلى الكتابة كوسيلة شخصية لتحقيق هذا الهدف، فكتبوا الكتب، وأطلقوا الأفكار، ووضعوا القوانين والنظريات التي ظلت شاهدة على عبقريتهم وعظمتهم، وحفظت أسماءهم في سجلات التاريخ.

وفي الطرق المقابل المظلم، هناك من سلكوا طريق العنف والدمار لتحقيق خلودهم. والتاريخ مليء بأسماء قادة خاضوا حروباً دموية، وارتكبوا المذابح بحق الآلاف، طمعاً في أن يُخلّدوا في الذاكرة البشرية عبر أفعالهم، حتى وإن كانت أفعالاً وحشية ومظلمة. هذه المفارقة تكشف عن الوجه الآخر للخلود، الذي قد يكون لعنة سوداء على من يذكرهم، تماماً كما يكون إرثاً جميلاً للأخيار الذين تركوا بصماتهم الطيبة.

إن الأرض واسعة وتكفي للجميع، لكن طغيان بعض الدول على غيرها، وممارسات الحروب والإبادة والتدمير، تسعى أحياناً لمحو حضارة وإعلاء أخرى، في دورة دموية تهدد استمرارية الجمال والإبداع الذي بناه البشر عبر العصور. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن وجود الإنسان على هذه الأرض مرتبط بثنائية الموت والخلود، حتى وإن لم يعترف بذلك صراحةً.

وفي التاريخ أمثلة مشرقة لأفراد صالحين تركوا إرثاً جميلاً بقي طويلاً بعد رحيلهم. من كتبهم وأعمالهم وأفكارهم، أضاءوا طريق الملايين، وحفظت أسماؤهم كنجوم تلألأت في سماء الإنسانية. هؤلاء خلّدوا أنفسهم بفضل ما زرعوه من خير وأمل، في حين أن آخرين تركوا إرثاً من اللعنات والظلام بسبب أعمالهم السيئة التي أورثت الألم والمعاناة.

إنّ الأثر الذي يتركه الإنسان هو انعكاس حقيقي لجوهره. فليكن أثرك طيباً ومشرقاً، فإن لم تستطع، فارحل بصمت دون أن تترك ظلاً يثقل على الآخرين.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :