الثقافة والشباب3: الإرادة
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
23-11-2024 05:41 PM
أميل لتعريف الارادة على أنها مقاومة الشهوات و العادات و العواطف و الاوهام و منطقة الراحة في العقل الباطن لذلك فإنها من منطق عمل الدماغ تعتبر جزء من العقل الواعي و المسؤول عن معالجة الذكريات و المعرفة و التجارب لفهم الحاضر و التعامل معه و للتخطيط للمستقبل.
أي ان الارادة عملية واعية لضبط ايقاع العقل الباطن و تحدي برمجته. لذلك فإنها عملية فردية و بالتالي عندما نسمع احياناً مصطلح إرادة الشعوب او الجماهير فإننا نعني ارادة مجموعة فقط من الافراد لأن الجماهير بطبيعتها تميل للمألوف و الاسهل و بالتالي فهي تميل لاتباع العقل الباطن بشقيه العاطفي و الغريزي.
الارادة تحتاج قضية او فكرة نؤمن بها بشده و اهداف نؤمن أو نطمح لتحقيقها و يساعد وجود محيط معزز و قدوة نحتذيها و الاهم من ذلك ايمان بالقيمة الذاتية أي أن يشعر الفرد أن له قيمة و ليس ثمن لانه اذا حدث تسليع للذات فلا حاجة للارادة فالمال و المصالح الآنية ستصبح هي المحرك الحقيقي مع غياب احترام الذات و التي لا يعيدها التمترس خلف شعارات دينية او وطنية أو ثوريه او ادعاء الاهمية او الشعارات الجوفاء فمن يفقد قيمته الذاتية يفقد احترام الذات و تلقائيا يفقد احترام الاخرين و يبقى ساعياً خلف سراب الاوهام.
من منطلق عمل الدماغ فالارادة تحتاج توازن ميال لصالح السيروتونين في منطقة الفص الدماغي الجبهي ليضبط و ينظم عمل العقل الباطن و هي عملية تدريبية تحتاج الرغبة و التكرار و الانضباط و الاستمرار.
مثلا قد نميل وفق شهواتنا للكسب السريع غير المشروع أو المتع السريعة او الشهرة المبنية على مضمون فارغ و لكن تأتي الارادة بدفقات من السيرتونين لتعيد الضبط.
و قد نميل وفق عواطفنا للحب او الكره وفق انطباعاتنا الاولية أو قد نميل للتعميم على شعب وفق حدث فردي أو قد نميل لرفض الآخر لسمات لم يقررها هو و لكن تأتي الارادة الواعية لتضع الامور في نصابها المنطقي الحقيقي.
و قد نميل الى أن نصبح فريسة الاوهام و الوساوس من العقل الباطن بأننا لا نستطيع او مرضى او قلقين و كل ذلك ليبقينا العقل الباطن في مرحلة الاستعداد بسبب غريزة البقاء القائمة على القتال او الهرب و لكن الارادة و معالجة التفاصيل بالمنطق في منطقة الارادة تدفعنا لمقاومة الاوهام و الوساوس و القلق.
أما العادات فهي مجموعة من الروتين الذي ألفناه و عادة ما يتم برمجة عقلنا الباطن بناء على تربيتنا و تأثير الاسرة و المدرسة و المجتمع فنصنف الاخرين على أساس نحن و هم و ليس على اساس القيم المشتركة بيننا و معيار القيم النبيلة التي اثبتت اهميتها عبر العصور مثل رفض الظلم و التمييز و رفض العنف و تعزيز الحوار و قبول الاخرين و الارادة هنا تلعب دوراً محوريا و لكن تحتاج استمرار و تكرار مقاومة شديدة للسئ من العادات.
برأيي أن الارادة جزء من الهوية او مظاهرها خصوصا في جيل الشباب فهنالك صراع خفي حاليا بين اتباع الشغف و الميل للانجازات المادية السريعة حتى لو كانت على حساب القيمة الذاتية و بين الانضباط و الاستمرار و العمل الجاد لتحقيق النجاح و تنمية الارادة في وجود قيمة ذاتية و افكار نؤمن بها و أهداف نصبو اليها مقسمة الى مراحل قابلة للتحقيق هي ما نحتاج غرسه في جيل الشباب. يساعد على ذلك طبعا وجود محيط معزز و في غيابه ان يصنع الشاب عالمة الخاص المعزز. كما يساعد وجود قدوة من الحاضر أو التاريخ لان القدوة شخص مر بما مررنا به او سيمر به الشاب و بالتالي فالسير على جزء من خطاه سيسهل المهمة.
دمتم بود