متحف المستقبل: نافذة إلى الغد
صالح سليم الحموري
23-11-2024 01:50 PM
قبل عدة أعوام، عندما أُعلن عن البدء في بناء "متحف المستقبل" في دبي، لفتني شكل المبنى الفريد، بتصميمه غير التقليدي الذي لا يحتوي على أعمدة واضحة، ما جعلني أتساءل كيف سيتم تشييده. كنت أمر يوميًا بجانب موقع البناء في طريقي إلى "كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية" حيث أعمل، أراقب مراحل البناء المتسارعة، وأشاهد العمال المعلقين على المبنى يعملون بجهد وتفانٍ. أكثر من مرة، توقفت برهة، أركن سيارتي وأتأمل هذا العمل الاستثنائي وأتخيل الشكل النهائي للمتحف. كنت أتابع باهتمام ما يُنشر في الصحف حول استخدام أحدث التقنيات في البناء، مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد، والتي أُدخلت لإنشاء هذا الصرح بطريقة غير مسبوقة. وجذبتني العبارات الملهمة التي تزين واجهته، وهي من مقولات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي: "لن نعيش مئات السنين ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين"، و"المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه"، و"سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار".
عندما لم أتمكن من الحصول على بطاقة لحضور الافتتاح، لم أستسلم. قررت الإقامة في أحد الفنادق القريبة المطلة على المتحف، وحجزت طاولة خاصة لهذه المناسبة. ورغم الأسعار المرتفعة التي فرضتها الفنادق على هذه الإطلالات، لم أتوان عن الدفع، منتظرًا الحدث بشغف. خلال الاحتفال، كنت أشارك صورًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لاحظني صديق عزيز، الأستاذ بشار الكيلاني، الذي كان مدعوًا إلى الداخل، وبدأ بإرسال صور وفيديوهات خاصة لي من داخل المتحف. فجأة، شعرت وكأنني أعيش الحدث بشكل كامل، من الداخل والخارج. كانت تجربة لا تُنسى، جعلتني أرى المستقبل قبل أوانه، واستمتعت بكل لحظة فيها.
يُعد متحف المستقبل اليوم صرحًا يجسد رؤى مستقبلية للبشرية ومنصة حيوية للابتكار واستشراف المستقبل، تحقيقًا لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وكما أشار معالي محمد عبدالله القرقاوي، رئيس المتحف، فإن هذا المعلم يقود الجهود العالمية لإحداث تغيير إيجابي يضع الإنسان في قلب الأولويات. على مدى السنوات الثلاث الماضية، لعب المتحف دورًا بارزًا في إعادة إحياء دور المنطقة والعالم العربي في مسيرة المعرفة البشرية، واستشراف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، مع إلهام الشباب العربي لمواصلة التعلم والابتكار.
لقد أصبح المتحف، منذ انطلاق فكرته من القمة العالمية للحكومات، حاضنة لأهم المؤتمرات والفعاليات ومركزًا يجمع بين نخبة من مصممي المستقبل ومؤسسات استشراف المستقبل العالمية. ومن خلال مبادرات مثل "خلوة الذكاء الاصطناعي" و"منتدى دبي للمستقبل"، يواصل المتحف تعزيز مكانته كمركز عالمي للفكر والابتكار، مستضيفًا نخبة من الخبراء والمصممين لبحث آفاق المستقبل وتقديم حلول مبتكرة للتحديات الحالية والمستقبلية.
مع مرور الوقت، تكررت زياراتي للمتحف لحضور ملتقيات وندوات ومعارض، ورافقت خلالها وفودًا ومتدربين، ما أتاح لي الاطلاع على أحدث الأفكار والتجارب المستقبلية. ومنذ افتتاحه في 22 فبراير 2022، أصبح المتحف وجهة رئيسية لزوار دبي، ومحطة تستقطب قادة الدول والحكومات وكبار الشخصيات.
يواصل متحف المستقبل ترسيخ مكانته كوجهة عالمية تجمع بين التراث والابتكار التكنولوجي، مقدماً رؤية شاملة تدعم الابتكار وتسعى لإحداث تغيير إيجابي ومستدام، لتكون نافذة على المستقبل ومنصة إلهام للأجيال القادمة.
* صالح سليم الحموري
خبير التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية