فيروز الوطن والاحساس في عامها التسعين
خلدون ذيب النعيمي
22-11-2024 09:32 AM
إستثنائية هي بما غنته عن الأمومة والوطن والشعر العربي بعنفوانه وحكمته من عنترة الى احمد شوقي وجوزيف حرب مروراً بابن ربيعة والاخطلين كبيرهما وصغيرهما وحتى وهي العاشقة الصغيرة في "عيد العزابة" إستطاعت الفنانة فيروز التي تتم عامها التسعين هذه الايام ان تكون مرآة مميزة لكل ذلك ، يسمعها الطفل وهي ترنو "لريما" والكبير في كل ما سبق فيشعر انها تلامس فيه شيء وان ما تشدوه هذه الفنانة المخضرمة كتب ولحن لأجله فقط في اشياء يعيشها ولا ينساها.
أستطاعت بمسيحيتها التغزل "بمكة أهلها الطيب" فكان سماعها ملازماً لموسم الحج في وسائل الاعلام وتغنت بالأردن " أرض العزم أغنية الظبى" الذي كتب تاريخه "بذهب الكرامة بالعز والشهامة " في آذار المجد الذي أعقب جرح الأمة في حزيران ، وحنت لبيسان وهي تمشي في "شوارع القدس العتيقة" التي بكتها بعد أحتلالها وهي تناجيها "عيوننا اليك ترحل كل يوم" وتطمئنها في نفس الوقت أن نهر الاردن سيغسل لا شك "اثار القدم الهمجية" ، وشدت لدمشق "هواها الأرق " ولبغداد "الشعراء والصور" ولمصر التي عادت "شمسها الذهب" وغنت للجزائر بعد تحررها من الاستعمار البغيض وللعرب جميعاً ولم تنسى وطنها "لبنان الاخضر" بل وجمعت كل ما سبق في "وطني يا ذهب الزمان الضائع " , فكان الوطن والتاريخ هو الاساس بتجنبها الغناء لشخصية معينة فالجميع سائرون والوطن باق ومحدث بتاريخه لكل من قدم له بصدق.
استطاعت فيروز أن "تفيق" بمن يسمعها أشياء صعب نسيانها بحلوها ومرها فذكرياتها مع الذين "ركبوا عربيات الوقت وهربوا بالنسيان" لا تنتهي فيتمنى المرء لحظتها "أن تبقى على طول" علم الرغم من رغبتها "أن ترى الاشياء وما تذكرني فيك" ، وأبدعت في "بعيونك حنين وسكوتك حنين" فكانت "طلعلي البكي ونحنا قاعدين" هو المعنى الحقيقي للجمال الذي نسمعه في الشعر العربي العفوي ، أما ال "أيييه" في "ياريت منن" فهي بحد ذاتها حكاية تقف عندها طويلاً وانت تتأمل بكل ما حولك من أشخاص ومواقف ، وما "شو قالوا ياعمر حلو وما دقتك" عن ذلك ببعيد فقد ختمت فيها أعمق واقرب ما قيل في الشعر والموسيقى.
فيروز هذه الصبية "التسعينية" تراها وهي تؤكد صدق احساسها الامومي وهي تعتني بأبنها الستيني "هلي" الذي يعاني من اعاقة حركة ذهنية وحركية ، فصدق الاحساس الأمومي وأخلاصه هو بلا شك برهان لصدق الاحساس العام لها فقد رأت بأمومتها في عيني ابنها المسن المحتاج لها دوماً ماغنته يوماً "أمي يا ملاكي ياحلمي الباقي الى الأبد" .ألم أخبركم أن فيروز هي حالة إستثنائية حتى بعامها التسعين ؟!