كم مرة جلسنا نروي حكايات عمّن تحدّوا الصعاب.. وصنعوا أمجاداً خالدة؟!.. نتحدث عن فنان كابد الوحدة.. ليترك بصمة في تاريخ الجمال.. وعن عالمة مزقت القيود.. وغيّرت مسار المعرفة.. وعن مخترع أضاء المستقبل.. بينما هو غرق في ظلام النسيان.. وعن مناضل حرر أفكار شعبه من أغلال الظلم.. وعن مفكر جاهر بالحق.. حتى فارق الحياة..

نُسرِف في هذه الروايات.. وكأن العالم بأسره يتشكل من هؤلاء.. لكننا نغفل أن هناك آلافاً مثلهم.. لم تسعفهم الأقدار.. ماتت مواهبهم خنقاً بيد العزلة.. أو الظلم.. أو القهر.. أولئك الذين تلاشت أفكارهم في صمت.. لأنهم لم يجدوا من يمد لهم يد العون.. أو يمنحهم الفرصة..

نغش من حولنا.. حين نقنعهم أن النجاح هو الخيار الوحيد.. وأنهم بإمكانهم جميعاً أن يتجاوزوا العقبات.. دون أن نتساءل ولو لوهلة.. هل توفر لهم ما يكفي من دعم وظروف؟!.. نلقي عليهم عبء تحقيق المستحيل.. دون أن ندرك أن طريق الأحلام قد لا يكون سالكاً للجميع..

نرسم صورة زائفة عن واقع لا يشبههم.. نحثهم على إطلاق قواهم الداخلية على تجاوز العوائق مهما بلغت.. وننسى أن الطريق قد يكون مغلقاً أمامهم بفعل إرث من الفقر.. أو قيود من الجهل.. أو بيئة خانقة لا ترحم..

نحن بحاجة إلى رؤية أعمق للواقع.. إلى إدراك أن ما يصلح لأحدهم.. قد لا يصلح لآخر.. وأن البشر متفاوتون في قدراتهم.. ومعطيات حياتهم.. فالذين لا يحققون ما نراه نجاحاً.. ليسوا دائماً فاشلين.. أو ضعفاء.. بل ربما كانوا مجرد ضحايا ظروف أكبر من طاقتهم..

إن الذين ألهموا العالم.. لم يكونوا يوماً مجرد أساطير.. كانوا أيضاً جزءاً من عالم معقد.. عالم لم يسعف الكثيرين ممن يشبهونهم.. لذا علينا أن نتعلم من دروسهم.. لا لنزيد على من حولنا الضغوط.. بل لنكون عوناً حقيقياً لهم..

لنتوقف عن بيع الوهم لمن يسعون وراء أحلامهم.. ولنكن صادقين.. ندعمهم بما يناسب قدراتهم وظروفهم.. نمنحهم القوة.. دون أن نحملهم عبء التوقعات.. فالحياة ليست سباقاً واحداً.. وليست طريقا واحداً.. وليست لوناً واحداً.. وبالتالي النجاح ليس صورة واحدة.. بل هو لوحة.. يرسمها كل فرد بطريقته الخاصة.. وبقدراته.. وما توفر لديه..