المجتمع الجماهيري والثقافي الاجتماعي
الدكتور علي فواز العدوان
21-11-2024 08:06 PM
كتاب "بين الماضي والمستقبل" لحنا أردنت يناقش العديد من الأفكار المتعلقة بالمجتمعات الإنسانية، وخاصة الفرق بين المجتمعات الجماهيرية والمجتمعات الثقافية الاجتماعية. بناءً على آرائها، يمكننا تحليل المجتمع الأردني من هذين المنظورين.
وفقًا لتحليل حنا أردنت، المجتمع الجماهيري يتميز بالانحلال التدريجي للهياكل الاجتماعية التقليدية، حيث يصبح الفرد مجرد جزء من "الجموع" أو "الحشود" التي تفتقر إلى هوية أو دور فردي واضح. في مثل هذا المجتمع، غالبًا ما يكون للأفراد دور محدود في اتخاذ القرارات أو التأثير على مجريات الأمور، ويعتمدون بشكل كبير على السلطة المركزية أو الزعامة الفردية.
إذا حاولنا تطبيق هذا النموذج على المجتمع الأردني، يمكن القول بأن الأردن يتمتع ببنية اجتماعية قوية تعتمد على العلاقات القبلية والعشائرية، إلا أن هناك بعض العناصر التي تشير إلى تحولات نحو مجتمع جماهيري. ففي ظل التطورات السياسية والاجتماعية، بدأ الأردن يشهد تراجعًا في تأثير هذه العلاقات التقليدية لصالح المؤسسات الوطنية والهوية الأردنية الجامعة. الإعلام الجماهيري ووسائل التواصل الاجتماعي أصبح لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام، مما يعزز من الطابع الجماهيري للمجتمع.
على الجانب الآخر، تصف حنا أردنت المجتمع الثقافي الاجتماعي بأنه المجتمع الذي يحتفظ فيه الأفراد بدور واضح في التأثير على حياتهم الاجتماعية والسياسية. في هذا النوع من المجتمعات، العلاقات بين الأفراد تكون قائمة على القيم المشتركة والتفاعل الثقافي، ويكون للفرد دور نشط في تعزيز هذه القيم.
المجتمع الأردني، رغم تأثيرات الحداثة والعولمة، لا يزال يحتفظ بالكثير من الخصائص الثقافية والاجتماعية التي تميز علاقاته. التقاليد الأردنية العريقة، مثل الضيافة والقيم القبلية، تظل جزءًا مهمًا من حياة الأردنيين اليومية. إضافة إلى ذلك، لا يزال المجتمع المدني في الأردن نشطًا إلى حد ما، مع وجود مؤسسات وجمعيات تعمل على تعزيز المشاركة المجتمعية والتفاعل الثقافي. يمكن ملاحظة هذا من خلال العديد من المبادرات المحلية التي تسعى إلى دعم التعليم، الفن، والتطور الاجتماعي.
المجتمع الأردني، بناءً على تحليل حنا أردنت، يمكن وصفه بأنه يميل أكثر نحو كونه مجتمعًا ثقافيًا اجتماعيًا. ورغم وجود بعض التحولات نحو الجماهيرية بفعل الحداثة والتطور التكنولوجي، إلا أن المجتمع الأردني لا يزال يحتفظ بجوانب قوية من الهوية الثقافية والقيم الاجتماعية التقليدية. هذه الهوية تساعد في مواجهة تحديات التحول إلى مجتمع جماهيري كما وصفته أردنت.
في النهاية، يمكن القول إن المجتمع الأردني يقف عند مفترق طرق بين المحافظة على هويته الثقافية والاجتماعية وبين التأثر بالتوجهات الجماهيرية الحديثة. يبقى السؤال الأهم هو كيف سيوازن الأردن بين هذه العوامل في المستقبل.