الصراع في المنطقة: النفاذ عبر القانون الدولي
د. ماجد العبلي
21-11-2024 07:32 PM
إن تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري العنصري الصهيوني لحركات المقاومة العربية الإسلامية كمنظمات إرهابية، لَيُمثَّلُ الحجة (القانونية) الكبرى التي تبرر للكيان الصهيوني عدوانه الهمجي على غزة ولبنان بحجة محاربة الإرهاب.
وكما استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية أحداث الحادي عشر من ايلول(سبتمبر) ٢٠٠١ لتكرس نفسها القطب الأعظم والأوحد في الكوكب عبر تغيير قواعد اللعبة الدولية لتكون جائرة لصالحها، فإن (إسرائيل) سعت وتسعى لمحاكاة التجربة الأمريكية لاستثمار السابع من تشرين أول (أكتوبر) ٢٠٢٣ لتكريس نفسها القطب الأعظم والأوحد في الإقليم العربي ومحيطه(إيران وتركيا) عبر تغيير قواعد اللعبة الإقليمية لتكون جائرة لصالحها.
وكما ادعت الولايات المتحدة الأمريكية أنها باحتلالها أفغانستان والعراق إنما تدافع عن نفسها ضد الإرهاب الدولي وفقا للقانون الدولي، فإن (إسرائيل) تدعي بتدميرها لقطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية والجنوب اللبناني وبيروت وبعض المناطق في سوريا واعتداءاتها على إيران إنما تدافع عن نفسها ضد محور الإرهاب الإقليمي وفقا للقانون الدولي أيضا.
وعليه فإن (إسرائيل) لم تبتدع شيئا جديدا ببربريتها، وإنما تسير على الخطى البربرية للولايات المتحدة الأمريكية، ولذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تجد غضاضة فيما تقوم به(إسرائيل) من إبادة وتدمير باعتباره دفاعا عن النفس يكفله القانون الدولي.
ووفقا للقانون الدولي فإن للدولة ذات السيادة الحق في الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل بما في ذلك العمل العسكري إذا تعرضت لأي "هجوم إرهابي"، كما يمكنها المبادرة بالعمل العسكري الاستباقي ضد "منظمات إرهابية" "تخطط للهجوم" على هذه الدولة أو تهدد مصالحها.
ووفقا للقانون الدولي فإن دول العالم يمكنها دعم ومساندة الدولة التي تحارب الإرهاب عسكريا أو سياسيا أو إعلاميا، ولا ثمة مدخل قانوني لإدانة هذه الدولة أو الدول التي تساندها إلا في حالتي: الاستهداف المتعمد للمدنيين(الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتمييز العنصري والعقاب الجماعي كالتجويع مثلا ..إلخ)، و/أو استهداف البنى التحتية المدنية(المستشفيات والمنشآت الصحية والتعليمية ودور العبادة والماء والكهرباء ..إلخ)، والتي تندرج تحت تصنيفات: جرائم الحرب، أو الإبادة الجماعية، أو الجرائم ضد الإنسانية.
وبناء على ذلك فإن وحدات "المجتمع الدولي" تختلف في تعاطيها مع "الصراع العسكري" الجاري في المنطقة العربية حيث تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: ويشمل أكثرية دول العالم والتي:
١- تُقِرُّ، وفقا للقانون الدولي، بحق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس ضد "المنظمات الإرهابية" التي تسعى لتدميرها من داخل فلسطين المحتلة(حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الفصائل الفلسطينية المقاومة) ومن خارجها( حزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، وبعض تنظيمات الحشد الشعبي في العراق)، وذلك بحجة أن "إسرائيل" دولة عضو في الأمم المتحدة تتعرض للعدوان من قبل منظمات إرهابية.
٢- "تتفهم" "اضطرار" (إسرائيل) لقتل المدنيين، وتدمير المنشآت والبنى التحتية المدنية بحجة "اتخاذ المدنيين دروعا بشرية" و"استخدام البنى التحتية المدنية لشن هجمات عسكرية إرهابية" من قبل مقاتلي (المقاومة) أو "تخزين أسلحة" وفقا للرواية الصهيونية التي تحظى بتأييد أكثرية وحدات النظام الدولي وفضائه الإعلامي.
القسم الثاني: ويشمل العديد من الدول والتي:
١-تقر بحق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس ضد "المنظمات الإرهابية".
٢-ترفض وتعارض تَعمّد قتل المدنيين أو تعذيبهم وتدمير البنى التحتية المدنية.
القسم الثالث: ويشمل عددا محدودا جدا من الدول والتي:
١-تقر بحق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني "المحتل".
٢- تستنكر [مقتل] المدنيين "الاسرائيليين" الذي حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
٣- ترى أن "السابع من أكتوبر" لم يكن سوى ردة فعل [منطقية] ضد جبروت الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني منذ سبعة عقود، ولا سيما آخر سبعة عشر عاما (٢٠٠٧-٢٠٢٣) من الحصار الخانق لغزة.
وعليه فإن هذه الدول تنظر للعدوان الصهيوني على غزة باعتباره عدوانا همجيا يشتمل على جرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، ولذا بادرت دولة جنوب أفريقيا [مشكورة] برفع دعوى قضائية ضد الكيان الصهيوني لدى المحكمة الجنائية الدولية بدعم عدد محدود من الدول.
القسم الرابع: ويقتصر على دولتين هما إيران وسوريا واللتان:
١-تعترفان بحركات المقاومة الفلسطينية وحزب الله وأنصار الله وتنظيمات الحشد الشعبي كحركات تحرر وطني تقاوم الاحتلال والهيمنة الاستعمارية العنصرية الصهيوأمريكية.
٢-تقدمان لهذه الحركات دعما عسكريا وماليا وسياسيا، لاسيما إيران، في حين يتركز الدور السوري حاليا على الدعم اللوجستي.
ولذا استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري العنصري الصهيوني سوريا لتخريبها من الداخل، وصنفت إيران دولة راعية للإرهاب، وفرضت عليها حزمة من العقوبات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية.
وإن ما جرى من فظائع ويجري في غزة منذ أكثر من سنة، لَيتكرر في لبنان بحجة ضرب حزب الله باعتباره منظمة إرهابية معتدية على الكيان الصهيوني، رغم أن لبنان دولة عضو في الأمم المتحدة وذات سيادة، الأمر الذي يكشف الطبيعة الفضفاضة للقانون الدولي، حيث الواقع يُجلّي حقيقة الهيمنة الاستعمارية العنصرية الغربية الصهيونية على منطقتنا.
ولكن أين دول العالمين العربي والإسلامي مما يجري؟ وهل يمكن لهذه الدول أن تفعل شيئا لوقف هذا التجبر الاستعماري الغربي العنصري الصهيوني؟
حتى الآن لا وجود لدول العالمين العربي والإسلامي في دائرة الفعل والتأثير، لكنها تستطيع النفاذ عبر القانون الدولي الفضفاض، بحيث تتخذ قرارا جماعيا واحدا، يتمثل بالاعتراف الرسمي بالتنظيمات الفلسطينية المقاومة وحزب الله وأنصار الله والمنظمات الإسلامية المقاومة في العراق، باعتبارها جميعها حركات تحرر وطني تقاوم الاحتلال (الإسرائيلي) والهيمنة الاستعمارية العنصرية الغربية، ورفض وصمها بالإرهاب.
وماذا سيترتب على ذلك؟
وفقا للقانون الدولي فإن الدول العربية والإسلامية تستطيع آنذاك التواصل مع هذه الحركات ودعمها ومساندتها واحتضانها وكسب التأييد لها على المستوى الدولي، الأمر الذي يفضي إلى محاصرة وإضعاف السردية الصهيوأمريكية التي تستخف بالأمتين العربية والإسلامية أيما استخفاف، وتنكر وجود شعب فلسطيني، وتنكر أي حق له بأرض فلسطين التاريخية من جانب، ومن جانب آخر فإن ذلك ينعش ويطلق السردية الفلسطينية دوليا، ويضع الأمور في نصابها التاريخي الصحيح، ما يُحجّم الكيان الصهيوني، ويفرض عليه قبول قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية كمرحلة أولى نحو استعادة كامل التراب الوطني الفلسطيني بعون الله تعالى..
وكما يقول الشاعر توفيق زياد:
"ولكلِّ ليلٍ آخرٌ
مهما بدا..
من دونِ آخر.."