الأونروا .. هل تواجه الشهيق الأخير؟
الدكتور موسى الرحامنة
20-11-2024 12:45 PM
من المعلومٌ أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي الجهاز الاوسع تمثيلاً في المنظومة الدولية؛ وقد منحها الميثاق صلاحية أن تنشئ من الفروع والوكالات ما يساعد لتسيير وتنسيق وتسهيل مهامها واعمالها؛ وبموجب رخصة الميثاق هذه؛ اتخذت قرارها رقم (302) لعام 1949 والتي أنشأت بموجبه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى UNRWA كوكالة متخصصة لها صفة مؤقتة؛ وبولاية قابلة للتجديد كل ثلاث سنوات؛ وتتخذ من فيينا وعمان مقراً رئيساً لها.
إذاً؛ هذه الوكالة أنشئت عقب الحرب عام 1948 لتقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين الذين اضطرتهم تلك الحرب الى ترك منازلهم؛ فأصبحوا بلا مأوى؛ وتنكَّبت أمامهم سبل العيش؛ بسبب تلك الظروف المأساوية.
ويُعرّف اللاجئ حسب وثائق الأونروا؛ ولغايات ولاية الوكالة والانتفاع من الخدمات التي تقدمها؛ بأنه " كل شخص كان يقيم إقامة طبيعية في فلسطين خلال الفترة من 1 حزيران 1946 وحتى 15 أيار عام 1948 وفقد منزله وسبل معيشته بسبب حرب عام 1948.
وقد جرى تكليف الوكالة بتقديم الخدمات أيضاً للأشخاص الآخرين الذي يحتاجون الى المساعدة الإنسانية، في الحالات الطارئة؛ وعند الحاجة في الأقاليم التي تغطيها عمليات الوكالة. وقد كلفت الجمعية العامة وكالة (UNRWA) بتقديم خدماتها لنازحي حرب عام 1967 ومن تلاها من اعمال عنف؛ وبالرغم أن هؤلاء لا ينطبق عليهم وصف اللاجئ الفلسطيني الآنف ذكره؛ الا أن الجمعية العامة وحدها دون سواها من يملك تغيير ولاية الأونروا أو وقف نشاطاتها المرتبطة اصلاً بوقف المعاناة؛ وزوال الاحتلال وعود ة اللاجئين الى اوطانهم؛ مع أن الوكالة غير مكلَّفة قانوناً بإعادة التوطين؛ وليست هذه من بين مهامها.
إن التسجيل لدى وكالة الأونروا لا يترتب عليه منح صفة اللاجئ طبقاً لاتفاقية جنيف بشأن اللجوء لعام 1951؛ وإنما يحدد فقط أهلية الشخص الذي يستحق الانتفاع بخدمات الوكالة.
وتقوم الوكالة بعمل إنساني مهول؛ وعمرها اليوم يناهز (75) عاماً؛ هو عمر هذا الاحتلال الغاشم، وتقدم خدماتها الإنسانية لأكثر من (6) ستة ملايين لاجئ فلسطيني موزعين في مناطق عملياتها الخمسة (الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية؛ قطاع غزة).
وينبغي الإشارة هنا؛ أن المسجلين في سجلات الوكالة لغايات الانتفاع من الخدمات التي تقدمها لا يستفيدوا جميعاً من هذه الخدمات؛ بسبب الانتقال خارج نطاق عمليات الوكالة؛ ولذلك فإن ميزانية الوكالة تُقر بالاعتماد على اجمالي عدد اللاجئين الحاصلين على الخدمات؛ وليس على عدد المسجلين في سجلات الوكالة.
وقد تم تأسيس وكالة الأونروا لتقدم المساعدات للاجئي فلسطين؛ ريثما يتم تنفيذ قرار حق العودة رقم (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ والذي جرى التأكيد عليه مراراً وتكراراً منذ عام 1948 فهي إذاً؛ منظمة إنسانية محايدة تحمل تفويضاً من المجتمع الدولي قاطبة؛ لتقديم المساعدة والدعم والحماية للاجئي فلسطين الى ان يتم التوصل الى حل دائم وعادل لقضيتهم.
ولا أحد يستطيع ان ينكر؛ دور وكالة الاونروا الحيوي؛ على مدار السبعة عقود الماضية فيما تقدمه من دعم ورعاية في الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية؛ فمنذ خمسينات القرن الماضي بلغ عدد الطلبة الذين تخرجوا من مدارس الاونروا أكثر من مليوني طالب وفي بيئة ومخرجات تعليمية ذات جودة وفق المؤشرات والمدركات العالمية؛ وفي مجال برامج الأمان الاجتماعي التي تقدمها الوكالة استطاعت ان تصنع الفرق بين الجوع وتوفر الطعام على المائدة؛ ففي عام 2020 استطاعت الوكالة تقديم المساعدات لأكثر من (390) الف لاجئ في غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن.
واستمراراً لنهج الوكالة في تقديم المساعدة والدعم؛ فقد نهجت نهجاً تشاركياً؛ وسَعَت لبناء شراكات مع منظمات الأمم المتحدة؛ ووكالاتها المتخصصة؛ والمنظمات غير الحكومية في البلدان المضيفة للاجئين.
وقد مرَّت الاونروا وتمرُ بأزمات وتحديات مرهقة؛ بعضها يتعلق بالتمويل الذي يعتمد كلياً على التبرعات والاعانات الطوعية؛ وقد كانت جائحة كورونا قد فاقمت من ازمة التمويل الذي يحول دون تنفيذ الوكالة لبرامجها وخططها في تقديم الدعم والاسناد؛ ولا سيما نداءات الطوارئ والإغاثة؛ اذْ ان الوكالة من غير تمويل؛ تقف مكتوفة الايدي وعاجزة عن تقديم أي مساعدة تذكر.
واما التحدي الأكبر الذي تواجهه الاونروا اليوم؛ اضافة الى ازمة التمويل؛ إعاقة سير اعمالها في غزة والضفة الغربية والقدس؛ ولم يقف الامر عند هذا الحد؛ إذْ ان الوكالة التي تواجه أسوأ أزمة إنسانية منذ نشأتها؛ تتعرض لاتهامات إسرائيلية لا أساس لها من الصحة؛ تتهم فيها موظفي الوكالة بالاشتراك بهجوم السابع من أكتوبر ؛ وهي الاتهامات التي عجزت إسرائيل ان تقدم دليلاً واحداً يؤيدها؛ وأصبحت الوكالة في مناطق العمليات التي تقدم فيها خدماتها هدفاً لآلة الحرب الإسرائيلية؛ إذْ بلغ مجموع الضحايا من موظفي الوكالة جرَّاء الاستهداف الإسرائيلي قرابة 200 موظفاً خلال الحروب المتعاقبة على قطاع غزة؛ وهو عدد غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة.؛ وان ذريعة الكيان الإسرائيلي بضلوع موظفي الوكالة في هجوم السابع من أكتوبر؛ هي ذريعة واهية ساقطة؛ يكذبها واقع الاستهداف المتكرر لعمليات الاونروا منذ عام 2008.
ويبقى السؤال؛ لماذا كل هذه الحملة المسعورة ضد الاونروا؟ اليس هذا جزء من المخطط الكبير لتهجير الشعب الفلسطيني؛ وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني؛ وبالتالي الغاء حق العودة الذي أرجأت إسرائيل أي حديث حول تفاصيله؛ خلال محادثات أوسلو جنباً الى جنب مع ملف القدس وحق العودة؛ لأنها تعتبر ذلك تهديداً وجودياً لها في المقام الاول؛ وان أي دعم لعمليات الاونروا من وجهة نظر إسرائيل هو دعم للشرعية الدولية لقضية اللجوء وتعزيز حق العوة.
إسرائيل اليوم تتعامل مع وكالة الاونروا على انها طرف في النزاع؛ ولا تؤمن بالمطلق بمبدأ حيادها وتمضي قدماً باتهامها بالتواطئ مع حركة حماس؛ وانطلاق الأنشطة المعادية ضدها من المدارس والمراكز التابع لها؛ وبالتالي باتت هذه الوكالة - التي تعد شرياناً رئيساً ومتنفساً حيوياً في المناطق الفلسطينية التي تدير الوكالة فيها عملياتها- مهددة بخطر الموت والاعدام كما ورد على لسان مديرها العام فيليب لازاريني.
لقد طالبت إسرائيل الأمم المتحدة بحل وكالة الأونروا؛ وضرورة اجراء التحقيق بشأن حيادها واتهامها بضلوع موظفيها بأحداث السابع من أكتوبر؛ غير ان المراجعة الأممية بشأن هذا الطلب خلصت وبعد شهرين من التحقيقات؛ ان إسرائيل عجزت عن تقديم الدليل الذي يدعم هذه المزاعم والادعاءات.
لقد جيَّشت إسرائيل الدول الداعمة والمانحة ضد وكالة الأونروا؛ وتوصل الكونجرس الأمريكي بضغط من إسرائيل الى اتفاق مع البيت الأبيض حول حظر تمويل عمليات الاونروا لمدة عام؛ وصورت الوكالة بأنها منظمة إرهابية؛ وصادق الكنيست على مشروع القانون الذي يقضي باعتبارها كذلك؛ وراحت تكيل الاتهامات وتتحدى المجتمع الدولي باتخاذ قرارات واعمال عسكرية واعمال مادية أخرى ضد الوكالة؛ فأغلقت مقر الوكالة في القدس الشرقية واضرمت فيها النيران؛ فضلا عما تمارسه ايضاً من أفعال تقصد من ورائها شل قدرات المنظمات والوكالات غير الحكومية؛ ومنظمات حقوق الانسان؛ وثنيها واعاقتها عن الاسهام في معالجة الازمة الإنسانية المتفاقمة في غزة؛ وامام كل هذه الارهاصات والعراقيل والتحديات؛ فهل هذا هو الشهيق الأخير لهذه الوكالة التي عاشت مع القضية الفلسطينية ودخلت عقدها الثامن؟..