خطاب الملك تعزيز الهوية الوطنية واستمرار التحديث
الدكتورة ميس حياصات
20-11-2024 12:09 PM
في خطاب تاريخي خلال افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة العشرين، وضع جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين رؤية شاملة لمستقبل الأردن، تضمنت محاور رئيسية في التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع التأكيد على الثوابت الوطنية والهوية الراسخة للاردن فقد افتتح جلالته الخطاب بتقديم التهنئة لأعضاء مجلس النواب المنتخبين حديثاً، داعياً إلى جعل هذا المجلس منصة جديدة للعمل الجماعي والتشاركي بين الحكومة والبرلمان، بما يعزز ثقة المواطن ويترجم تطلعاته على أرض الواقع وقد أكد الملك أن هذه الدورة البرلمانية تأتي في وقت يشهد فيه الأردن بداية مرحلة سياسية مفصلية، مع تطبيق مشروع التحديث السياسي الذي يهدف إلى تعزيز دور الأحزاب البرامجية في الحياة السياسية، وفتح المجال أمام مشاركة أكبر للمرأة والشباب وأشار جلالته إلى أن نجاح هذا المشروع يتطلب تعاوناً وثيقاً بين النواب والحكومة، وأداء نيابياً يرتكز على النزاهة، مع التركيز على التنافس بالبرامج والأفكار، وليس الأشخاص، لتلبية مصالح الدولة وأولوياتها.
لم يكن الحديث عن التحديث السياسي منفصلاً عن رؤية اقتصادية طموحة، حيث شدد الملك على أهمية توفير الحياة الكريمة للأردنيين وتمكين الشباب لمواكبة وظائف المستقبل، من خلال تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي تهدف إلى إطلاق إمكانات الاقتصاد الوطني وزيادة معدلات النمو خلال العقد المقبل وأوضح أن لدى الأردن ثروة بشرية هائلة وعلاقات دولية راسخة، مما يجعله قادراً على تجاوز التحديات وتحقيق تقدم اقتصادي ملموس كما دعا جلالته إلى الإسراع في تحديث القطاع العام لضمان تقديم خدمات نوعية وعادلة لجميع المواطنين، مؤكداً أن الالتزام بالكفاءة والنزاهة يجب أن يكون نهجاً دائماً لكل مسؤول وموظف في الدولة.
أما على الصعيد الوطني، فقد أشار الملك إلى الدور المحوري الذي يجب أن يلعبه مجلس الأمة في الرقابة على تنفيذ هذه المسارات، لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وشدد على أنه لا خيار أمام الأردن سوى التقدم المستمر خدمة للأجيال القادمة، مشيراً إلى أن التحديات الحالية تتطلب عملاً دؤوباً ومسؤولية مشتركة بين جميع مؤسسات الدولة.
في سياق التأكيد على الثوابت الوطنية، أعاد الملك التأكيد على أن الأردن دولة راسخة الهوية، تجمع بين إرثها الهاشمي وانتمائها العربي والإنساني، وترفض الانجرار خلف سياسات أو مصالح لا تتماشى مع مبادئها وشدد جلالته على أهمية الحفاظ على الاستقلالية في اتخاذ القرارات الوطنية، بما يضمن مصالح الأردن العليا ويحمي حقوق مواطنيه.
وفي ملف القضية الفلسطينية، أكد جلالته أن السلام العادل والشامل يظل الخيار الوحيد لإنهاء الصراع، وهو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى ضرورة استعادة كامل حقوقهم المشروعة وأوضح أن "قدس العروبة" ستظل أولوية أردنية هاشمية، مع الاستمرار في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية استناداً إلى الوصاية الهاشمية التي تعد مسؤولية تاريخية تؤديها المملكة بشرف وأمانة.
تناول جلالته بوضوح موقف الأردن الراسخ في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، مؤكداً أن المملكة تقف بكل صلابة ضد هذه الانتهاكات وأشاد بالدور البطولي الذي لعبه الأردنيون في تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للأشقاء الفلسطينيين، مشيراً إلى أن الأردن كان في طليعة الدول التي قدمت المساعدات جواً وبراً، مع جهود دبلوماسية مكثفة لوقف الحرب وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وأعرب الملك عن فخره بالجيش العربي الأردني والأجهزة الأمنية الذين قدموا مثالاً حياً للواجب والشرف في خدمة الوطن والأمة.
في ختام خطابه، استعرض الملك رؤيته الطموحة لمستقبل الأردن، التي ترتكز على الإنسان كأغلى ما يملك الوطن وأكد جلالته أن الأردن سيواصل مسيرته في البناء والعطاء، ليظل وطناً عظيماً وعنواناً للخير والإنجاز وأشار إلى أن كل يوم جديد في حياة الأردن يمثل فرصة لبداية جديدة، لصناعة مستقبل أكثر إشراقاً بإيمان وعزيمة وثبات.
إن الخطاب الملكي، بما يحمله من رؤى استراتيجية وشمولية، يعكس حكمة جلالة الملك وقراءته الثاقبة للواقع المحلي والإقليمي فتلك الرؤية التي لا تنفصل عن التزامه العروبي العميق، وحرصه الدائم على الدفاع عن قضايا الأمة العربية، مع الحفاظ على هوية الأردن الوطنية الراسخة ومبادئه الراسخة ويؤكد جلالته من خلال هذا الخطاب بأنه قائداً ملهماً وشجاعاً، يضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، ويقود الأردن بثقة نحو مستقبل أفضل.