الشباب والأمل السياسي: كيف يصنع خطاب العرش جيلًا يقود التغيير؟
محمد صبيح الزواهرة
19-11-2024 08:30 PM
في خضم التحديات العميقة التي يواجهها الأردن داخلياً وخارجياً، جاء خطاب العرش للملك عبد الله الثاني بن الحسين بمثابة إعلان استراتيجي يحدد معالم المرحلة القادمة التي يتوجب على الأردن عبورها، بل والعمل على تعزيز تماسكه الداخلي في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والإقليمية. رغم إيماني بالضرورة الملحة للإصلاح والتغيير في بعض جوانب المشهد السياسي، إلا أن الخطاب حمل في طياته رسائل مفصلية تؤكد على أهمية الوحدة الوطنية والتمسك بهويتنا الأردنية الأصيلة، بالإضافة إلى الدور المحوري للجيش العربي الأردني والأجهزة الأمنية في حفظ الأمن والاستقرار.
التحديث السياسي: ضمان تمثيل حقيقي للهوية الوطنية
الحديث عن التحديث السياسي في خطاب العرش كان أحد أبرز النقاط التي شدد عليها الملك، حيث أشار إلى ضرورة تعزيز دور الأحزاب السياسية التي تعتمد على البرامج والأفكار، وهو أمر أعتبره جزءاً لا يتجزأ من عملية إصلاحية ضرورية لضمان وجود حكومة وبرلمان يعكسان تطلعات الشعب الأردني. هنا، لا يتحدث الخطاب فقط عن تعزيز المسار الديمقراطي، بل عن ضرورة تعزيز التنوع والتعددية السياسية التي تعكس هوية الأردن الوطنية بكافة مكوناتها.
كشاب نشط في مجال العمل السياسي والتنموي، ومهتم بتطوير القدرات الشبابية، فإن تأكيد الملك على مشاركة المرأة والشباب في العملية السياسية هو مؤشر مهم على إدراك حقيقي لأهمية دمج هذا الجيل في مستقبل الدولة. يعكس هذا التوجه أهمية وجود جيل شاب ليس فقط في المناصب القيادية ولكن كجزء من إعادة صياغة الهوية الوطنية الأردنية التي تعتمد على التنوع الاجتماعي وتوثيق أواصر العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع.
التحول الاقتصادي: تمكين الأردنيين عبر بناء الإنسان
إن التحديات الاقتصادية التي تواجه المملكة ليست هينة، وتنعكس بشكل واضح على حياتنا اليومية. من خلال الخطاب، استشعرنا حرص الملك على تحقيق تحول اقتصادي حقيقي يرتكز على تمكين الشباب، وفتح الأفق أمامهم لتطوير مهاراتهم بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل المستقبلية. من خلال التوجه نحو تحديث القطاع العام، يُنشد الملك تحقيق المزيد من الكفاءة في تقديم الخدمات للمواطنين، وهو ما أراه ضرورة قصوى في ظل الارتفاع المستمر في معدلات البطالة، خاصة بين فئة الشباب.
لكن التحدي الأكبر يبقى في القدرة على خلق بيئة اقتصادية قابلة للنمو في ظل الأزمات الإقليمية وتذبذب أسعار الطاقة. لا بد من إعادة النظر في السياسات الاقتصادية بما يضمن النمو المستدام، والتركيز على توفير حياة كريمة للمواطن الأردني، وهو أمر مرتبط بشكل وثيق بعملية التحديث الشاملة التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاستفادة من كافة الكفاءات الأردنية.
الهوية الوطنية: البقاء على الثوابت في زمن المتغيرات
عند حديث الملك عن هوية الأردن الثابتة، كانت هناك إشارة واضحة إلى أن الأردن لن يسمح لأي قوة خارجية أن تقوض مبادئه أو تهدد استقلاله. هذا الموقف هو تأكيد حازم على أن الأردن، رغم كافة التحديات، سيظل عصياً على التغيير القسري في هويته الوطنية. وهذا أمر يعكس مدى تمسك الأردن بثوابته التي لم ولن تتغير: انتماءه العربي، دفاعه عن القدس، ومساندته للقضية الفلسطينية.
كشخص يؤمن بالعدالة، يرى أن موقف الأردن من القضية الفلسطينية يجب أن يظل في قلب السياسة الأردنية. القدس ليست فقط قضية دينية، بل هي جزء أساسي من هوية الأردن، وما يقدمه الملك من ضمانات بشأن حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس هو رسالة واضحة للعالم أجمع أن الأردن هو الحامي الأول لهذه الحقوق.
الجيش: الأمانة في الحماية ووفاء للوطن
لا يمكن الحديث عن مواقف الأردن الثابتة دون الإشارة إلى الجيش العربي الأردني الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية للثقة والاستقرار في المملكة. فمن خلال الخطاب، تبرز صورة الجيش باعتباره البطل الحقيقي الذي يظل سيفًا حاميًا للحدود، وقوة إنسانية تحمي المبادئ، وتحافظ على الأمن في وقت الأزمات. هذا الجيش هو صمام الأمان الذي يضمن استقرار الدولة في كل الظروف، ولا يمكن لأي أردني أن يتجاهل تضحياته المتواصلة في الدفاع عن وطنه وعن القيم التي نشأنا عليها.
الختام: أمل المستقبل ودولة راسخة الهوية
اليوم، نحن مدعوون كأردنيين إلى وحدة الصف والتماسك في مواجهة التحديات. اختلافاتنا السياسية لا تعني اختلاف مصيرنا. التحديات التي نواجهها هي اختبار لمدى تمسكنا بهويتنا الوطنية وعزيمتنا في بناء وطن يعكس تطلعاتنا.
الأمل ينبثق من شبابنا، القادرين على بناء وطن قوي ومزدهر. كل واحد منا يحمل جزءًا من هويتنا الوطنية التي يجب أن نحافظ عليها ونبني عليها. الأردن هو وطننا، وقلوبنا مليئة بالإيمان بأن الأمل والتغيير يبدأ منا جميعًا، من قدرتنا على النضال من أجل الأردن الكبير الذي في البال.