للماكينة الحكومية آليات سلحفائية هي من طبيعة النظام المركزي البيروقراطي السائد. لكن الظروف الاستثنائية لا تحتمل أبدا هذه الطريقة في الأداء. ولا أستطيع أن أخمن كيف وإلى أين سينتهي بنا الأمر بعد بعض الوقت، لكن في الجنوب ثمّة تبرم يشبه دمدمة بركان عشية ثورته.
وسأترك ملفات الإصلاح المختلفة، وكلها تحتاج إلى تدخلات ديناميكية، لأتحدث فقط عن انعدام فرص العمل. وقد سألت رئيس الحكومة قبل أيام عن مصير مشروع خدمة العلم، فأجابني معيدا نفس المشكلة التي تعيق المشروع منذ مطلع عهد الحكومة السابقة، وهو الحاجة إلى تمويل يبلغ 60 مليون دينار تقريبا. فقلت لنضفها على البليون ونصف البليون دينار من عجز الموازنة، فهي لا تصنع فرقا كبيرا. ولا أقصد أبدا أن أقلل من خطورة زيادة الديون، لكن الحكومة قبلت كلفة 180 مليون دينار لزيادة رواتب الموظفين 20 دينارا، بينما بثلث المبلغ يمكن توفير وسيلة أكثر أهمية لامتصاص بطالة عشرات الألوف من الشباب، لا بل إن البعض اقترح استخدام المال فقط لخلق عدد كبير إضافي من الوظائف، وهي أفضل وأهم من زيادة الرواتب أو دعم السلع.
نعم، إن ارتفاع كلف المعيشة مشكلة، والأسعار مشكلة، لكن العيش لبعض الوقت بتقشف ولو شديد الوطأة أهون ألف مرّة من الحياة بلا عمل. وإنه لأمر قاتل أن تجد في البيت الواحد اثنين وثلاثة وأحيانا أربعة من أعضاء الأسرة الشباب الخريجين، ذكورا وإناثا، ينطرون في بيوتهم عاما واثنين وثلاثة وخمسة وأكثر بانتظار وظيفة لا تأتي.
ولا نتحدث عن الخريجين فقط، فهناك أعداد ضخمة من البالغين الذين لا يحملون أي شهادات ولا يجدون أي عمل، بل إن الكثيرين يُصرفون من أعمالهم بسبب الركود، وخصوصا في قطاع المقاولات. وقصّة "ثقافة العيب" و"البطالة الهيكلية"، أي الترفع عن الأعمال غير المكتبية وتعطل الخريجين الذين لا يقبلون سوى وظيفة مناسبة لشهاداتهم، كلها مقولات باتت وراء ظهرنا. وهذا ليس ادعاء نظريا، فمن خلال عملي كنائب أطلّ على واقع محدد يواجهني يوميا.
كل يوم أجد أمامي خريجين وغير خريجين يتوسلون أي وظيفة. وعندما أقول كلمة "يتوسلون" فأنا لا استخدم صيغة مبالغة، بل هي صيغة مخففة كثيرا للطريقة التي يضغطون بها من أجل أي عمل. وعندها تفهم الفرق بين أن تقرأ عن البطالة كرقم، وأن تراها في وجوه رجال ونساء وشباب وصبايا أمامك يشرحون ظروفهم المعيشية المستحيلة، وحجم القهر والإحباط واليأس الذي يعيشونه، فتضيق الدنيا في وجهك وتفكر أنك لا تستطيع أن تقبل أن يستمر الأمر يوما آخر هكذا، لكن الوقت يمرّ من دون حلّ.
أنا بكل صراحة لست متأكدا أن العواقب ستكون سليمة!!
jamil.nimri@alghad.jo
الغد