الإعلام ليس عبداً في مزارع السياسيين
ماهر ابو طير
30-05-2011 04:12 AM
منذ عشرين عاما وانا اشتغل في هذه المهنة، وعبر عقدين من الزمن، لم يتركنا مسؤول واحد، في حالنا، وكلما فاضت البئر، يتم اتهام الصحافة في البلد بأنها بلا ضمير.
مناسبة الكلام هي حملة مسؤولين على الصحافة والاعلام في البلد، في مناسبات عدة، وخطابات شتى.
مصيبة هذه التعبيرات انها تحمل اتهامات مبنية للمجهول، فلا يتم تحديد من المقصود، وعبر الاشارة، يتم شمول الجميع، وهذا ذات ما تفعله بعض وسائل الاعلام من نقد واتهامات بالفساد مبنية للمجهول، دون تحديد.
هذه مفارقة. اذ يتم الرد على الاعلام، بذات الوسيلة التي يتم تقده على اساسها، اي قصة التعميم، دون تحديد، والاتهام في المطلق، وهذا تلطيخ لسمعة الصحافة في البلد، دون ان تتحرك نقابة الصحفيين، دفاعاً عن مؤسساتنا واعضاء الهيئة العامة.
لو صحونا غداً، ولم نجد صحافة يومية ولا اسبوعية، ولا مواقع الكترونية، ولا اذاعات، فهل ستمطر الدنيا سمناً وعسلا، وهل سيتفجر النفط تحت اقدامنا، وهل ستحل المشاكل من ازمة دوار الداخلية، وصولا الى الخزينة الخاوية؟!.
لماذا هذا الاستفزاز، وهذا التهاون في قيمة الاعلام، ولماذا تتم تغطية الضعف في الاتصال بالاعلام، وتزويده بالمعلومات، والتواصل معه، باتهامات مفتوحة مبينة للمجهول، ولماذا يتنكر البعض لكون اغلب المسربين ضد المؤسسات والمسؤولين، رسميين عاملين؟!.
لماذا يتم الخلط بين النقد الحاد المشروع، والتجاوزات غير المشروعة على الخطوط الحمراء، ويتم وضع الجميع في سلة واحدة، عبر «التهويب» على الكل، دون فصل مركزي؟!.
كل مسؤول يحب الاعلام، حتى تنتقده، فتنقلب الدنيا وتصبح صاحب اجندة داخلية او خارجية، او حاقدا لئيم ، او ُممّولا من السفارات، او مراكز القوى في عمان، هذا على الرغم من ان مراكز القوى في عمان لا تشبع وتريد احداً يعطيها، لا ان تعطيه!.
اذا هبطت الروح المعنوية قيل السبب في الاعلام، واذا هرب السياح قيل السبب في الاعلام، واذا تلوثت الخضار ولم يقبلها احد قيل السبب في الاعلام، واذا احتار الشعب في قصة شاهين، قيل ان المشككين هم من يقودون الحملة المجرمة.
ما يقال اليوم امر واحد فقط، لا يوجد لدينا اعلام رسمي، ولا يوجد مال لدعم هذا الاعلام، ومعظم المسؤولين لدينا لا يريدون اعلاماً محترماً، وكل ما يريدونه فرقاً من الطبالين والزمارين، المسبحين بحمد السياسات، اناء الليل واطراف النهار.
وكأن شعبنا لا يفهم الفرق بين الحقيقة والزيف، وبين الجرأة والاعتداء، وبين التشكيك والاسئلة المشروعة، وبين التضليل السياسي، والوصول الى المعلومات ونشرها حتى لو كانت مزعجة للبعض.
كفانا همساً وزعيقاً وتحميل مسؤوليات، لان البحث عن ضحايا لتحميلهم كلفة هذا الوضع، لا يجدي ابداً، ولان العقدة ليست في الاعلام، على ما فيه من ضعف وقوة، واحتراف وقلة احتراف.
هناك اخطاء واجندات ومعلومات غير دقيقة. ربما. غير ان ادارة الصورة يجب ان تتم بوسائل غير التهويب والشتم المبطن والتعميم، والتهديد المباشر وغير المباشر، في زمن باتت فيه قيمة الصحفي في العالم اهم من مجلس نيابي.
لم يبق الا ان يقال لنا ان اعلامنا هو اعلام الاعور الدجال، وفي احسن الحالات اعلام الممهدين لظهور الاعور الدجال.
الاعلامي الاردني محترف في كل مكان في الدنيا ومحترم، الا هنا، فيتم جلده في كل المناسبات، باعتباره طوق النجاة للغرقى، ويتم تحميصه على الوجهين، وسلقة بلاذع الكلام علناً او في الجلسات المغلقة.
الاعلام ليس عبداً في مزارعكم.
mtair@addustour.com.jo
الدستور