وكأن الأشقاء في السودان ينقصهم ما هم فيه من مُعاناة وويلات، جراء الحرب أو النزاع أو الصراع، الدائر في بلادهم، فبعد أن ذاقوا الأمرين إثر إزهاق أرواح الآلاف، وتدمير المنازل والأحياء السكنية والبنى التحتية، ونزوح الملايين منهم وتركهم لمنازلهم ومناطقهم وذويهم، و»استقطاب عرقي».. بعد كُل ذلك، بات نحو 15 مليون سوداني يفتقرون إلى الرعاية الصحية أو الحصول عليها.
أضف إلى ذلك، وجود حوالي 730 ألف طفل سوداني يُعانون من سوء التغذية الحاد، وازدياد مُعدلات الوفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، فضلًا عن انتشار الأمراض والأوبئة بشكل سريع، والتي تنعكس بشكل سلبي أكبر على الفئات الضعيفة، خصوصًا الأطفال منهم، الذين يتعرضون إلى مُعاناة تلو الأُخرى.
أرقام وزارة الصحة السودانية، والمُنظمات الإنسانية العاملة في ذلك البلد، الذي يُعاني ما يُعاني من تدمير بطيء، تؤكد أن هُناك مئات الآلاف من الأطفال بالسودان باتوا مُعرّضين لخطر الإصابة بـ»الكوليرا»، الذي أُعلن رسميًا عن تفشيه في الثاني عشر من آب الماضي، بالإضافة إلى أمراض أُخرى.
وللعلم فقط، فإنه خلال 53 يومًا فقط، وبالتحديد ما بين 22 تموز و15 أيلول الماضيين، كان هُناك حوالي 8460 حالة إصابة بمرض الكوليرا، ونحو 300 وفاة، ما يعني وجود 5.6 وفاة و160 إصابة يوميًا.
العالم الغربي بشكل عام، والعربي والإسلامي بشكل خاص، يغض الطرف عامدًا مُتعمدًا، عما يحصل في بلاد شقيقة، نشترك معها في اللغة والثقافة والدين والعادات والتقاليد والجغرافيا، ويجعلون أصابعهم في آذانهم، خذلانًا، لئلا يسمعوا عن وجود ما يقرب من الـ3.4 مليون طفل سوداني دون الخامسة، مُعرضين لخطر الإصابة بأمراض وبائية، من قبيل الكوليرا والملاريا وحُمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.
فهل يتحرك العالم الحر لإنقاذ نصف مليون طفل سوداني، وكذلك 2.6 مليون شخص معرضين لخطر الإصابة بـ»الكوليرا» فقط مع حلول نهاية العام الحالي؟ في وقت انخفضت فيه نسبة تغطية التحصين من 85 بالمائة قبل الحرب إلى 50 بالمائة، وتصل إلى 30 بالمائة في المناطق الساخنة، فضلًا عن أن 70 بالمائة من المُستشفيات في المناطق المُتضررة أصبحت خارج الخدمة.
وهل يعلم العالم أجمع، الذي يُنادي بالإنسانية وحقوق الإنسان، بأن الكثير من السودانيين باتوا يعتمدون على آبار مياه ضحلة، احتمال اختلاط مياهها بمياه الصرف الصحي كبير جدًا، وذلك يُعد من الأسباب الرئيسة للإصابة بأمراض الكوليرا والملاريا.
يتوجب على العالم الحُر، على الأقل، إن لم يقدر على وقف الحرب أو النزاع، العمل بكُل ما أوتي من قوة على تخفيف الآثار المُترتبة على ذلك إلى أدنى نقطة، وتأمين خدمات ودعم في مجال المياه والنظافة والصرف الصحي والصحة، واتخاذ إجراءات من شأنها مُعالجة تفشي الأمراض.
حرب أو نزاع مُتفاقم، قد يتقبل البشر ذلك، ويعتبرونه أمرًا مقبولًا، وقد يصلون إلى درجة من اليقين بعدم وجود حل له، إثر تعنت كُل طرف بما لديه من تبريرات وحجج، وأنه على صواب، لكن لا يوجد ما يُبرر أبدًا الوقوف بلا حراك على ما يحصل من تفاقم للأمراض والأوبئة، خصوصًا تلك التي باتت من الماضي كالكوليرا والملاريا والتيفوئيد.. ويبقى السودان ومواطنوه بلا بواكي.
الغد