برغم كل قوته الخارقة، انتهى أمر شمشون بلحظة لأنه لم يفهم منطق الطبيعة! في روايته الشهيرة «شمشون» التي كتبت في عام 1926، يصف زئيف جابوتنسكي- الأب الروحي لليمين الصهيوني وصاحب مفهوم الجدار الحديدي- الشخصية الأولى (شمشون) في روايته بأنه صاحب قوة خارقة مكنته من الانتصار على كل أعدائه لكن الحكمة كانت تنقصه.
فشمشون هذا أمعن وتفنن في تقتيل الفلسطينيين، وفي ذات ليلة اقترب منه شخص طاعن في السن ليسأل عن البطل الذي أغار على قبيلة أخرى وانتصر عليها ونهب كل ما لديها من قطيع، وعندما دلوه على شمشون سأله إن كان قد ترك شيئاً للقبيلة الأخرى، فرد عليه شمشون بالنفي! عندها قال ذاك الطاعن في السن بالقول «لا تجتمع البطولة والحكمة في جسد واحد، فأنت يا فتى بطل ولكنك لست حكيما»، فقد كان ينبغي نهب كل القطيع ما عدا الربع حتى لا تنتقم القبيلة الأخرى، فالنصر الكامل ليس من الحكمة بشيء.
بعد زيارة نتنياهو لواشنطن ارتفعت شعبيته حسب استطلاعات الرأي في إسرائيل لتبلغ إلى مستويات كبيرة، لم يكن هذا بالأمر السهل، لكن صموده في وجه أوباما وانتصاره عليه وعلى منطق السلام وعلى منطق حدود عام 1967 جعل منه شمشون زمانه! فنتيناهو وإن تمكن من تحقيق الانتصارات وإن أبدى تفهما للأزمة الصهيونية والأبعاد الديمغرافية لفكرة النصر الكامل والشامل فهو ما زال بعيدا عن الحكمة، فسياساته التوسعية تعمل على انقراض كل حمامات السلام على الطرف الأخر، ولا يفصلنا إلا زمن بسيط قبل أن تثور الأرض من تحت قدميه، فكل نذر انتفاضة ثالثة هي ماثلة للعيان.
الاحتفاء بعودة نتنياهو إلى تل أبيب كبطل إنما يعكس غياب رؤية عند جزء كبير ومهم من الشارع الإسرائيلي، وإلا لانتفض هذا الشارع ضده لأن نتنياهو المقيّد إئتلافيا وأيدولوجيا يأخذ بهم بعيدا عن بر الآمان، فالإستمرار بنهج من هذا القبيل لا ينبيء عن حكمة وإنما عن أزمة بنيوية في المشروع الصهيوني برمته. فشعور الإسرائيليين بنشوة النصر دفعهم للقفز عاليا في الهواء وهم كالنعامة عندما تدس رأسها في الرمال، فكيف للشارع العربي الذي بات متمردا على عقود من الإذلال والامتثال أن يقبل بأن يستمر مسلسل الإهانات الإسرائيلية والتخاذل العربي الرسمي دون أن يحرك ساكنا؟!
hbarari@gmail.com
الرأي