facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




خطاب العرش .. رسالة إلى دولة المؤسسات وعبء التحديات المقبلة


حسن رواشدة
19-11-2024 12:36 PM

في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين، ألقى الملك خطابًا حمل سمات مختلفة عن سابقاته في العقود الماضية. خطاب مختصر، مباشر، تجنّب الإسهاب في التفاصيل، لكنه تضمن إشارات تُحمِّل المؤسسات مسؤوليات أكبر مما مضى. هذه الاختصار لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن السياق السياسي والإقليمي والاقتصادي الذي يمر به الأردن اليوم، والذي يفرض على الدولة إعادة ترتيب أدواتها، ليس فقط لتجاوز الأزمات، بل لتثبيت أقدامها في مسار إصلاحي طويل الأمد.

الإيجاز في الخطاب يعكس، بوضوح، تحولاً في طبيعة العلاقة بين رأس الدولة ومؤسساتها. في السابق، كانت خطب العرش تقدم تصوراً شاملاً للمراحل المقبلة، لكن خطاب هذا العام أشار بشكل ضمني إلى أن المسار قد وُضع، والتوجيهات قد قُدمت، والكرة الآن في ملعب السلطات التنفيذية والتشريعية والمجتمع المدني.

حين تحدث الملك عن “دولة المؤسسات” ومسارات الإصلاح، كان يخاطب دولة في مرحلة متقدمة من النضوج السياسي. الأردن ليس في طور تأسيس نظام أو وضع خارطة طريق جديدة، بل في طور تفعيل ما تم الاتفاق عليه نظرياً في السنوات الماضية. هذا يعكس التزاماً بمبدأ جوهري في الدولة الحديثة: الانتقال من مركزية القرار إلى شراكة مؤسساتية فاعلة بين مختلف السلطات.

خطاب العرش لم يكن مجرد عرض للواقع، بل رسالة واضحة بأن بناء دولة المؤسسات لم يعد خياراً، بل ضرورة. المؤسسات الأردنية تواجه الآن اختباراً مزدوجاً: أولاً، إثبات قدرتها على تطبيق الإصلاحات ضمن الإطار الدستوري، وثانياً، تجاوز الأزمات بأدوات جديدة أكثر شفافية وكفاءة.

البرلمان العشرون أمام مهمة تاريخية. الملك أكد في خطابه أن الدولة تعتمد على مؤسساتها، وهذا يشمل السلطة التشريعية التي طالما كانت محل انتقاد شعبي بسبب ضعف الأداء. إذا أراد البرلمان استعادة ثقة الشارع، فعليه أن يخرج من إطار القوانين التقليدية إلى تشريعات تحفز النمو الاقتصادي، وتضمن العدالة الاجتماعية، وتمنح المواطن إحساساً بأن دوره ليس هامشياً.

أما السلطة التنفيذية، فهي أمام تحديات أكثر حدة. الملك وضع الحكومة أمام سؤال: كيف يمكن تحويل الخطط الطموحة إلى نتائج واقعية؟ المشكلة ليست في نقص الموارد فقط، بل في غياب الكفاءة أحياناً، وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة تدفع نحو الاعتماد على الذات بدلاً من المساعدات الدولية.

المسؤولية كذلك لا تقع على عاتق الدولة بمؤسساتها الرسمية فقط. خطاب العرش أكد أن الأردن دولة راسخة ، وهو ما يعني أن المجتمع المدني مطالب بأن يكون شريكاً فاعلاً في الإصلاح. الأحزاب، النقابات، والجمعيات الأهلية يجب أن تخرج من دائرة النقد السلبي إلى تقديم مبادرات بناءة تسهم في حل المشكلات بدلاً من تعقيدها.

صحيح أن الأردن يدخل مئويته الثانية، لكن التاريخ يذكرنا دائماً بأن رسوخ الدولة ليس ضمانة للنجاح. دول كثيرة في العالم فقدت مكانتها بسبب غياب الرؤية أو ضعف المؤسسات. في المقابل، دول أخرى نجحت رغم قلة مواردها بفضل نظامها المؤسساتي الراسخ، في الأردن، لدينا أمثلة عديدة تثبت أن الدولة قادرة على الصمود والتكيف. لكن هذه المرونة يجب أن تتحول الآن إلى قدرة على الإنجاز، لا مجرد البقاء.

هذا يعني أن الخطاب لم يكن مجرد احتفاء بانعقاد البرلمان العشرين، بل كان تحذيراً من مغبة التراخي في مواجهة الأزمات، ودعوة للانتقال من التنظير إلى التنفيذ.

الدولة الأردنية اليوم تحتاج إلى قراءة واقعية لذاتها، بعيداً عن الشعارات، وقريبة من الحقائق. ما ينتظره المواطن ليس الوعود، بل الإنجازات. وما يتطلبه الوضع الإقليمي ليس الحذر فقط، بل المبادرة. الأردن قادر على تحقيق ذلك، لكن بشرط أن تكون المؤسسات على قدر المسؤولية التي ألقاها الملك على عاتقها.

في النهاية، الكرة ليست فقط في ملعب المؤسسات، بل في ملعب كل فرد يعي أن الإصلاح ليس شعاراً، بل ممارسة يومية تتطلب التزاماً، إرادة، وعزيمة لا تنكسر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :