ضمن التقليد الملكي الدستوري، يلقي جلالة الملك سنويا خطاب العرش السامي بإفتتاح دورة مجلس الامة ، هذا الخطاب الذي يجسد حالة البلاد خلال عام مشخصا التحديات والتطلعات، ومخاطبا من خلاله الشعب وجميع سلطات الدولة.
خطاب هذا العام كان مميزا، وذلك بتميز الاحداث الراهنة، سواء كانت داخلية او خارجية.
على الصعيد الداخلي، فقد وضع جلالته الجميع امام مسؤولياتهم خصوصا مجلس النواب وتفعيل دوره الرقابي والتشريعي والذهاب لمساحات ارحب وآفاق اوسع بهذا الصدد، خصوصا الرقابة على مسار التحديث السياسي والاقتصادي، سيما وانه المجلس الاول المنتخب بعد عملية التحديث هذه التي اقرت مؤخرا.
هذا التحديث الذي اتى من ضمن ما أتى بواحد واربعين نائبا حزبيا من مختلف الاحزاب ثم ارتفع العدد بعد ان اعلن الكثير من النواب المستقلين انتماءآتهم الحزبية ليناهز العدد المائة نائب او ينوف من اصل ١٣٨ نائبا تعداد المجلس، فالصبغة الحالية للمجلس هي صبغة حزبية بإمتياز، وهذا ما يشكل تحديا للأحزاب والمجلس بشكل عام، ويضعها على المحك امام خطاب العرش الذي نوه صراحة لدورها المأمول والمناط بها بالمرحلة القادمة، وإرساء لقواعد وأعراف العمل الحزبي المبنية على مصلحة الوطن والمواطن بالمقام الاول والاخير من ناحية اخرى مسؤوليتها امام الشعب بوعودها وبرامجها التي طرحتها مسبقا ونالت ثقتهم بموجبها، كل هذا وجد لتنفيذ رؤية التحديث السياسي والاقتصادي سالف الذكر، ورفع معدلات النمو مستقبلا مدعوما وموظِفا مكانة الاردن العالمية التي تشكل رافعة قوية حيال ذلك، لينعكس بالنهاية على مستوى معيشة المواطن والحد من نسب الفقر والبطالة التي سجلت ارقام غير مسبوقة بالآونة الاخيرة.
وهذا يتطلب بالضرورة عمل متكامل وشراكة بين الحكومة والمجلس بمرجعية الدستور الذي يظلل الجميع واضعين نصب اعينهم مصالح واهداف الدولة العليا والعمل ضمن اسس ارساء قواعد التنافس على البرامج والافكار بمبداء النزاهة اولا وآخرا.
وشدد جلالته انه من اجل ذلك يجب تحديث القطاع العام ليتمكن من تنفيذ ذلك وخدمة المواطنين بكفاءة وعدالة،وحقيقة الامر ان هذه الفقرة تكررت بخطابات العرش، في الوقت الذي نجد ان الحكومات وكأنها غير جادة او عاجزة وغير خلاقة بإيجاد فهم وتصور لتنفيذ تطلعات جلالة الملك والشعب وترجمتها بخطط قابلة للتطبيق، تحديث القطاع العام،الذي ما فتِئَ الملك والشعب يحث الحكومات عليه، لكن الانجاز بهذا السياق يتسم بالبطء الشديد والعشوائية وبشكل لا يوائم التقدم ومستجدات العصر، وحاجة المواطن لذلك بالاساس.
اما على الصعيد الخارجي فلا أحد يزاود على الاردن بالوقوف مع غزة والقضية الفلسطينية سياسيا وإنسانيا والدفاع عنها في كل المحافل والعمل الدؤوب والملح لإنهاء حرب الابادة التي تمارسها اسرائيل، وأوضح جلالة الملك، كم ضحى وتكبد الاردن في سبيل ذلك لكن كل ذلك يرخص من اجل فلسطين ومن اجل قدس العروبة التي ستبقى أولوية اردنية هاشمية وسنواصل الدفاع عن مقدساتها والحفاظ عليها استنادا للوصاية الهاشمية.
اما الاردن فما زال وسيبقى دولة راسخ النهج والهوية وسنواصل العمل والبناء، وسيبقى النهج هو النهج والرسالة هي الرسالة ولن نحيد عن ذلك ولن نخضع للإبتزاز، وكأن الملك يوصل رسالة واضحة حول مقدار التكالب والضغوط التي يتعرض لها الاردن للحياد والتنازل عن ثوابته العروبية والاسلامية لكن قناته لم تلن ولن تلين يوما.
ويختتم جلالته بوضع الاردن بجيشه وجميع مؤسساته بموقعه الطبيعي بالمنطقة والعالم، مشددا على مكانة الانسان فيه ومستحضرا لعبارة الحسين رحمه الله الانسان "اغلى ما نملك"، وسيبقى الاردن عنوان لكل خير وأهل له.