الدلالات العميقة في خطاب العرش السامي
فيصل تايه
18-11-2024 11:37 PM
افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أعمال الدورة العادية أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين ، بالعبارة الكريمة : "باسم الله ، وعلى بركة الله، نفتتح أعمال الدورة العادية لمجلس الأمة العشرين" ، معبراً جلالتة الى اهمية هذا المجلس الذي يشكل بداية لتطبيق مشروع التحديث السياسي ، في مسار يعزز دور الأحزاب البرامجية، ومشاركة المرأة والشباب، وهذا يتطلب أداء نيابيا وعملا جماعيا، وتعاونا وثيقا بين الحكومة والبرلمان، على أساس الدستور ، واضعاً جلالتة الجميع أمام مسؤولية كبيرة لإرساء قواعد عمل وممارسات برلمانية يكون التنافس فيها على البرامج والأفكار وأساسها النزاهة، وتعبر بكل وضوح عن مصالح وأولويات الدولة ، مع أهمية واجب الرقابة من أجل ضمان تنفيذ مسارات التحديث، فلا خيار أمامنا سوى التقدم لخدمة أجيال الأردن ومستقبله وتوفير الحياة الكريمة وتمكين الشباب وإعدادهم لوظائف المستقبل .
الخطاب الملكي الذي لم يستغرق أكثر من عشر دقائق كان يحمل في مضمون كل عبارة فيه الدلالات العميقة ، والرؤى الواضحة ، في إجابات صريحة لقضايا هامة تتعلق بمتطلبات المرحلة ، فما يمر به الوطن من تحديات وظروف فرضتها أوضاع سياسية وإقتصادية ، لذلك فان هذا الخطاب يعتبر خريطة طريق ارشادية للمرحلة المقبلة ، تحوي ترجمه واضحة وصريحة للنهج المتوقع والمأمول ، ما يستدعي ضرورة قراءتها بتعمق والاخذ بما جاء بها لتحقيق رؤى جلالة الملك من أجل بناء الأردن الأنموذج في نهجه الديمقراطي ، خاصة بالاستمرار في مواصلة تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي لإطلاق إمكانات الاقتصاد الوطني ورفع معدلات النمو خلال العقد القادم .
لقد عبر جلالته عن اعتزازه بما لدى الأردن من كفاءات بشرية وعلاقات مع العالم ، ذلك كفيل بان يكون رافعا للنمو ، ما يدعو الى مواصلة البناء ، ذلك سيكتب للأردن فصولا جديدة في مسيرته التي ستبقى مسيرة أغلى ما فيها الإنسان، فما يأمله جلالته أن تواصل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية التعاون للدفع عملياً إلى الإسراع في تحديث القطاع العام ، وصولا إلى إدارة عامة كفؤة ، قادرة على تقديم الخدمات النوعية للمواطنين بعدالة ونزاهة ، وهذا نهج يجب أن يلتزم به كل مسؤول وموظف ، فشعبنا يستحق حياة كريمة ومستقبلا أفضل .
لقد أشار جلالة الملك الى ما يجب تحقيقه في المرحلة القادمة من عمر هذا المجلس ، فقد أكد جلالته على المسؤوليات والمهمات في المرحلة الجديدة من مستقبل بلدنا ، والتي يحب ان نستعد معها لفصل جديد من حياتنا السياسية ، منوهاً جلالته الى مسيرتنا الديمقراطية والسعي مع أبناء الاردن لحماية هذه المسيرة ، بالمضي بها بخطى جديدة وثابتة من البناء والتعزيز والتحديث ، ومواصلة العمل من أجل الحفاظ على هذه المسيرة .
ان المتعمق في قراءة الخطاب يجد فهماً واضحا للمفردات التي جاءت في المضمون ، بحيث نلحظ فيها الكثير من المدلولات التي تعبر عن حكمة وحنكة جلالة الملك السياسية التي مكنت الأردن من تجاوز التحديات ، فمستقبل الأردن لن يكون خاضعا لسياسات لا تلبي مصالحه أو تخرج عن مبادئه ، اذ أشار جلالتة بوضوح الى ما تشهده المنطقة من تصعيد خطير وأعمال عنف وعدوان ، ذلك دليل يؤكد مجدداً أن منطقتنا لن تنعم بالأمن والاستقرار دون تحقيق السلام العادل والشامل ، فلا أمن ولا سلام ولا استقرار من دون السلام العادل والشامل سبيله الوحيد .
لقد حمل خطاب جلالة الملك هموم الأمة وقضاياها وفي مقدمتها قضية فلسطين ، فالأردن يقف بكل صلابة في وجه العدوان على غزة والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية ، والعمل بجد من خلال تحركات عربية ودولية لوقف هذه الحرب ، وان السلام العادل والمشرف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين ، فهذا الخيار يعيد كامل الحقوق لأصحابها ويمنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرف الذين لا يؤمنون بالسلام .
كما أكد جلالته الى ان قدس العروبة أولوية أردنية هاشمية، ذلك بمواصلة الدفاع عن مقدساتها والحفاظ عليها ، فمن الواضح أن جلالته دائما وفي أغلب خطاباته يضع القدس في سلم أولوياته ، انطلاقا من دور الأردن التاريخي والمركزي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية ، وتقديم كل سبل الرعاية لها وإلى دور جلالته المستمر تقديم كافة أشكال الدعم للأشقاء في فلسطين ، والتاكيد أن الأردن سيبقى الداعم الاول لقضية فلسطين وصولا إلى حل عادل تكون فيه القدس الشرقية عاصمة للفلسطينين .
ما كان ملفتاً في خطاب جلالته الأشادة بدور القوات المسلحة والأجهزة الأمنية جميعها "والتي لها في نفس جلالته مكانة خاصة" بالحفاظ على حماية الاردن والشعب والارض والكرامة ، فالاردن سيبقى وطننا صامدا تحميه زنود النشامى من أبناء القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، الذين قدموا التضحيات جيلا بعد جيل، وحموا الوطن بالمهج والأرواح، في سبيل إعلاء رايته، والحفاظ على منعته وقوته، ليبقى عزيزا ، فلهم منا كل التقدير والتحية .
واخيرا فان الاردن بقيادة جلالة الملك سيبقى دوماً بإذن الله وطناً قوياً عزيزاً متماسكاً عصياً يسير بخطى ثابتة ورؤية ثاقبة، وطناً يؤمن بوحدة الامة و بالمصير الواحد الذي يجمعها .
حمى الله الأردن وطناً وملكاً وجيشاً وشعباً