يقال أن الشاورما أكلة تركية قديمة دخلت ثقافتنا أيام الحكم العثماني في نهايات القرن التاسع عشر , ومنذ ذلك اليوم وهي تنتشر انتشار النار في الهشيم وتقبل عليها فئات مختلفة من الشعب بمختلف أذواقه وطبقاته .لطالما أثارت اهتمامي هذه الأكلة بما تمثله من صور رمزية شتى توازن الواقع بما وراءه , فهي عبارة عن كتلة ضخمة من اللحم يهتك سترها سيخ حديدي يخترق جسدها من أسفله إلى أعلاه , هذا السيخ الحديدي نسخة شبه الأصل عن الخازوق العثماني الذي سمعنا عنه كثيرا وقليلا .
المهم أن نهم تناول الشاورما لا حدود له , والجارمون الملفوحة وجوههم بلهيب النار متفننون في عملهم والطلب عليهم وعلى خبراتهم في ازدياد مستمر ( أكثر إعلان أصادفه في الجرائد يقول : مطلوب معلم شاورما ) . أما صاحب المحل فهو على الأغلب متوار خلف الكواليس يجمع الغلة في نهاية النهار محسوبة بالقرش والتعريفة .
ورغيف الشاورما نفسه واحد من نوعين لا ثالث لهما : نوع ما إن ينضج حتى يلف في كفنه الأبيض – عفوا اقصد غطاءه الورقي الأبيض – في صورة رمزية لطقوس الموت والدفن عند بني البشر , ونوع آخر يطلق عليه اصطلاحا " عربي " يتم تقطيعه إربا إربا وينثر على وجهه شيء من اللحم المجروم عن السيخ الأم , ثم يوارى في صندوق على المقاس ممثلا بذلك نفس الصورة الرمزية لأخيه الأول .
سيخ الشاورما الضخم يبدأ بالتناقص تدريجيا منذ لحظة بدء الشواء , وكلما مر الدقائق والساعات قلت هيبته وصغر حجمه , حتى يغدو في نهاية اليوم أعزل إلا من قطعة من اللحم بالية انزلقت إلى الطرف السفلي من " السيخ – الخازوق " وعف المشترون عن شرائها .
قاتل الله الشاورما فهي لا تناسب ثقافتنا الأردنية مطلقا . كلما رأيتها تذكرت عبارة حكيم قريتنا الذي طالما كان يردد : إن هيبة قطعة اللحم تقل كلما صغر حجمها , فثقافة المناسف والكتوف والهبر الحمراء والرؤوس الفاغرة أفواهها لا تقبل بهذا المنطق الأعوج في تقسيم اللحم وتقطيعه , كما أن منظر الخازوق البشع والعرق المتصبب من جبين وأوداج معلم الشاورما لا يبشران بخير , والتزاحم على أكل " العربي " يقززني طالما انه يثير في ذاكرتي تلك الصورة الرمزية التي طالما وددت لو أنها لم تخطر على بالي .
عربي يا عربي , الخازوق سيلازمك ما بقي هناك أفواه جائعة وأمنيات ضائعة في مهب الريح , أنت برغم كل سيئاتك إلا انك ملاذ مهم لفئة واسعة من الآكلين لم تعرف طريقها إلى اللحم إلا من خلالك , ما علاقتك بوضعنا السياسي ؟ كم وزيرا علينا أن نغير من أجلك يا عربي ؟ وكم صورة من صور الموت علينا أن نعايش ؟ عجبت لأمرك يا " عربي " كيف استطعت أن توازن الأمور فحولت صورة الموت الرمزية إلى موت حقيقي طحن الغلابى وحول أبسط أمانيهم إلى مأساة واقعية .
samhm111@hotmail.com