facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




التاريخ المزور وسردية القوي: قراءة نقدية تاريخية


مصطفى القرنة
18-11-2024 03:25 PM

تعد فكرة "التاريخ يكتبه الأقوياء" إحدى القضايا الجوهرية التي تطرحها الدراسات التاريخية والنقدية. فعندما نتأمل في مجريات الأحداث التاريخية الكبرى، نجد أن الأقوياء غالباً ما يكونون هم من يحددون السرديات الرسمية ويفرضون تفسيراتهم للواقع. هذه السرديات التي تتناغم مع مصالحهم وتبرر أفعالهم، بينما تغيب أو تُشوه القصص التي قد تضر بتلك المصالح. على مدار التاريخ، كان الاستعمار، الحروب، والتوسع الإمبراطوري من أبرز العوامل التي ساهمت في تشكيل هذه السرديات.

تعتبر قصة كريستوفر كولومبوس واحداً من أبرز الأمثلة على كيفية "تزوير" التاريخ من قبل المنتصرين. فعلى الرغم من أن كولومبوس لم يكن أول من وصل إلى قارة أمريكا (إذ سبقته شعوب أصيلة ومنهم الفايكنغ)، إلا أن التاريخ الغربي يروج له كـ"مكتشف" أمريكا. هذا السرد يعكس فكرة المركزية الأوروبية التي تضع الغرب في قلب كل الأحداث الكبرى. فهذه الرواية لا تعكس الواقع بتفاصيله الحقيقية، بل تسهم في تغليب المصالح الاستعمارية وتجاهل معاناة الشعوب الأصلية الذين كانوا ضحايا لهذا "الاكتشاف".

التاريخ هنا لم يكن مجرد سرد للأحداث، بل كان أداة تبرير للاستعمار والاستغلال.

نابليون بونابرت هو مثال آخر على كيفية "تجميل" التاريخ بناءً على مصالح الأقوياء. في الدوائر الغربية، يُنظر إلى نابليون أحياناً كبطل عسكري مبدع وقائد حكيم، بينما يغفل الكثيرون عن الجرائم والمآسي التي ارتكبها خلال حملاته العسكرية، من معركة يورك تاون إلى الغزو الدموي لمصر، مروراً بالدمار الذي لحق بشعوب أوروبا تحت حكمه. هذا التمجيد غالباً ما يتجاهل الأبعاد الإنسانية ويغفل عن تأثيره المدمر على ملايين الناس. إذن، مرة أخرى، التاريخ هنا ليس مجرد وصف موضوعي للأحداث، بل هو اختراع يخدم صورة نابليون كـ"بطل" في مقابل تجاهل أفعاله الإجرامية. وخذ غيرها من الامثلة الكثير .

تأخذ الحروب العالمية، خصوصاً الحربين العالميتين الأولى والثانية، مكانة بارزة في التاريخ المزور. فبعد أن انتهت الحروب بهزيمة قوى مثل الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية-المجرية والامبرطورية العثمانية، تمكنت القوى المنتصرة مثل المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة من صياغة السرديات التي أظهرتهم كأبطال للحرية والديمقراطية. على سبيل المثال، بينما كانت قوى المحور في الحرب العالمية الثانية تمثل الأعداء الشريرين، كانت القوى المنتصرة تُصوَّر على أنها تجسد العدالة والحرية. هذه السرديات غالباً ما تغفل عن الجرائم التي ارتكبتها القوى المنتصرة نفسها، مثل القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي، ما يطرح تساؤلات حول نزاهة "التاريخ" الذي يتم تدريسُه في المدارس.

يُشكل التاريخ المزور أداة قوية في يد الأقوياء، إذ يسمح لهم بتشكيل ثقافة شعبية وأيديولوجيا تكون متوافقة مع سياساتهم ومصالحهم. وعند دراسة هذا التاريخ، نلاحظ كيف يتم مسح أو تشويه العديد من الجوانب التي لا تتناسب مع الرواية السائدة. هذه العمليات لا تقتصر على تزييف الحقائق فقط، بل تمتد لتحديد هوية الشعوب وإعادة صياغتها بما يتماشى مع المصالح الاستعمارية أو الإمبريالية.

إن التاريخ المزور هو أكثر من مجرد تحريف للحقائق؛ إنه عملية بناء لواقع يضمن بقاء الأقوياء في السلطة ويحافظ على هيمنتهم الثقافية والسياسية. وكما يقول البعض، "التاريخ ليس مجرد ما حدث، بل هو ما نريد أن نتذكره". لذلك، من المهم أن نستمر في نقد السرديات الرسمية، وأن نبحث عن الأصوات المهمشة التي قد تكشف لنا صورة أكثر دقة وواقعية عن الماضي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :