مشروع الاحتلال ونقاط ضعف الإقليم العربي ومحيطه
د. ماجد العبلي
18-11-2024 03:18 PM
إن نظرة متفحصة للنظام الإقليمي (العربي ومحيطه: تركيا وإيران) لتكشف أن هذا النظام يعاني من عدد من مواطن الضعف الجوهرية التي تفسر ارتباك الإقليم، ومضاعفة فرص قيام المشروع البديل (مشروع الاحتلال).
ويمكن رصد ست نقاط ضعف، وأسباب نشوئها، على النحو التالي:
١-نقطة الضعف الأولى: الاستسلام للرؤية الأمريكية والمتمثلة بتعميق تبعية الإقليم لها استراتيجيا، كل وحدة على حدة، بقيادة الكيان الاسرائيلي.
وسبب ذلك غياب رؤية محلية عربية أو إقليمية، حيث لا رؤية عربية جامعة للأمة العربية أو للإقليم، ولا رؤية إيرانية أو تركية جامعة للإقليم؛ فتركيا تائهة استراتيجيا بعد أن خاب رهانها على الغرب لتكون عَرَّابَهُ في المنطقة، وفي الوقت نفسه خاب رهانها على أن تكون المرجعية للإسلام السياسي العربي، فخسرت شعبيتها السياسية في المنطقة العربية، فانطبق عليها المثل الشعبي: "مْعَايِدْ القريتين".
أما إيران فلا تستطيع الخروج من عقدة عدائها القومي مع العرب لتطرح مشروعا إقليميا عادلا، لكنها مضطرة للعمل في الساحة العربية لإبعاد التهديدات الغربية الاستعمارية عن حدودها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وتحسين موقفها التفاوضي مع الغرب؛ لتحافظ على سيادتها ومصالحها القومية الاستراتيجية وعلى رأسها "استعادة الخليج" ليكون فارسيا بالكلية.
وبالتالي فإن العرب وتركيا وإيران يواجهون معضلة عمىً عن المصالح الاستراتيجية الإقليمية الجمعية المصيرية الحاضرة والمستقبلية؛ ما يجعل المنطقة فارغة استراتيجيا لصالح مشروع الاحتلال.
٢-نقطة الضعف الثانية: الاستسلام للغة الأمريكية والاسرائيلية التي تم فرضها على منطقتنا مثل: الشرق الأوسط، شمال أفريقيا، والإرهاب، والمنظمات الإرهابية، وإسرائيل، وأمن إسرائيل، والشعب الإسرائيلي، الفلسطينيين، والعمليات العسكرية الإسرائيلية، والمواجهات ما بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية..إلخ. وهي لغة استعمارية تكرس مشروع الاحتلال على حساب الهوية السياسية والثقافية والتاريخية لمنطقتنا العربية الإسلامية.
ومن المؤسف أن هذه اللغة الاستعمارية صارت اللغة الرسمية للدول العربية والإعلام العربي والمثقفين والكُتَّاب والباحثين.
وسبب ذلك تغييب أو غياب لغة محلية عربية إقليمية تحافظ على الهوية السياسية والثقافية والتاريخية لمنطقتنا مثل: الوطن العربي، والأمة العربية، والعالم الإسلامي، والكيان والاحتلال والاستعمار الاسرائيلي، والعدوان الاسرائيلي، والشعب الفلسطيني، وفلسطين المحتلة، والمقاومة الوطنية، وحركات التحرر الوطني، وأمن الشعب الفلسطيني، والسيادة اللبنانية، والسيادة السورية..إلخ. وهي اللغة التي من شأنها تعرية الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي الأمريكي لفلسطين المحتلة، والعدوان على لبنان وسوريا وانتهاك سيادتهما بدعم أمريكي كامل، وهي اللغة التي تحافظ على كرامة الأمة العربية والإسلامية وتلفظ الغريب الطارئ المعتدي.
٣-نقطة الضعف الثالثة: الاستسلام للإملاءات الأمريكية الاسرائيلية والتي تمنع المبادرة والفعل المحليين خارج إطار المخططات الأمريكية، وضبط ردّات الفعل المحلية بحيث لا تتجاوز الإطار اللفظي المهذب.
وسبب ذلك غياب قيادات تاريخية محلية عربية أو إقليمية قادرة على مواجهة الإرادة الأمريكية، وتحريك الشعبين العربي والإسلامي وتوجيه مشاعرهما، لتحسين الموقف التفاوضي للإقليم إزاء الإملاءات الأمريكية.
٤-نقطة الضعف الرابعة: الاستسلام لنظام إقليمي أمريكي اسرائيلي في منطقتنا "قيد الإنشاء" تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد(إسرائيل العظمى) يتم توظيف دُوَلِه لخدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية، من خلال استغلال موقعه الجيوسياسي، واستنزاف موارده استنزافا أمثل لدفع عجلة النمو الاقتصادي الأمريكي لتمويل استحقاقات المحافظة على مركزها الدولي كقطب أوحد في مواجهة طموحات كل من روسيا والصين في هذا السياق.
وسبب ذلك غياب نظام محلي عربي أو إقليمي، حيث لا وجود لأي نوع من التكامل السياسي أو الاقتصادي الذي من شأنه حماية الموارد الاستراتيجية في المنطقة.
٥-نقطة الضعف الخامسة: الاستسلام للخلافات التكتيكية أو الشخصية ما بين وحدات الإقليم العربي ومحيطه، ما جعل الهاجس الأمني يطغى على العلاقات البينية، ويجمد كل الملفات الأخرى، حيث انزلق الإقليم لحرب باردة مستدامة ما بين وحداته تحولت إلى حروب عسكرية أو اقتصادية دبلوماسية أحيانا.
وسبب ذلك غياب وعي القيادات المحلية العربية أو الإقليمية للمصالح الاستراتيجية المصيرية، حيث لا وجود للثقة المتبادلة، ولا وجود لمشاريع استراتيجية مستدامة عادلة، ولا استثمار أمثل للموارد، ولا استجابة للاحتياجات المحلية، وإنما الانسياق الكامل لتلبية احتياجات السوق العالمية من قبل كل وحدة على حدة.
٦-نقطة الضعف السادسة: الاستسلام للحكم السلطوي أو الديكتاتوري في وحدات الإقليم، والذي صنع تناقضا هائلا ما بين النخب الحاكمة والشعب، ما جعل وحدات النظام هشة قابلة للسقوط في أية لحظة.
وسبب ذلك غياب الإرادة الشعبية الجمعية التي تعبر عن المصالح العليا للإقليم على المستويين الجمعي والفردي، والتي لا سبيل لتبلورها إلا في ظل نظم عادلة تصون الحريات العامة والفردية، وتحترم الحقوق العامة للمواطنين، وتضمن التداول السلمي للسلطة.
ويبدو أن مظاهر الخلل هذه مستعصية على الحل في المدى المنظور، وإذا كان من الممكن، وفقا لظروف محددة، أن تستجيب كل من إيران وتركيا لمشروع إقليمي استراتيجي يجمعهما بالعرب لإفشال مشروع الاحتلال، فإن المعضلة المستحيلة تظل كامنة في التناقض المتجذر ما بين وحدات النظام العربي.
ورغم كل ذلك تظل (فسحة الأمل) حاضرة بسبب وجود نقطتي قوة استراتيجيتين: الأولى تتمثل بالمقاومة العربية الإسلامية الصامدة في جبهات القتال، والتي تذود بدمائها عن كرامة الأمة، والثانية وتتمثل بالتأييد الكامل للمقاومة من قبل أكثرية الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.
و(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).