الأردن وترمب .. السنوات الصعبة المقبلة
سامح المحاريق
17-11-2024 12:10 AM
بداية قد لايكون الأردن هو الدولة المفضلة لترمب، والرجل قد لا يعجبه الموقف الاردني الثابت والمبدئي من القضية الفلسطينيه، أما بالنسبة للأردن بوصفها كيانًا سياسيًا فهي بلد لا يمكن تصنيفه بالثري، ويقع بالكامل خارج دائرة الابتزاز التي تحكم فكرة ترمب عن المنطقة، وأما بالنسبة للقيادة، وخاصة شخصية الملك، فالواضح أن ترمب لا يمكن أن يتحدث بعقلانية وربما لا يمتلك أية أرضية لنقاش قائم على حقائق تاريخية أو محددات سياسية واقتصادية، بمعنى أنه يعبر عن الرجل الأمريكي الأبيض الذي كما أخبرني أحد الأصدقاء الذي سيصدم عندما يعر? بأن أفغانستان ليست مجرد جبل في العراق.
مع ذلك، فالأردن لا يمكن أن يعتبر عنصرًا خاملًا في المعادلة الأمريكية التي وضعت للشرق الأوسط من وجهة نظر ترمب، لأنه ببساطة يشكل المعضلة الاستراتيجية التي أبقته لبعض الوقت مؤجلًا من ترتيبات التقاسم في بعد الحرب العالمية الأولى، ولأن الأردن لم يغادر موقعه، وبقيت نفس المعطيات قائمة، مع كثير من التعقيدات المستجدة، مثل الواقع الجيوسياسي في العراق وسوريا، وبطبيعة الحال، في الصراع المتواصل على فلسطين، فلا شيء جديد يمكن أن يغير القناعات الأردنية الأساسية بخصوص مشاريع التسوية المطروحة أو المتوقعة.
في النسخة الأولى من صفقة القرن نقلت بعض المصادر عرضًا تلقاه الملك من ترمب بالحصول على الضفة الغربية، وهو ما رفضه الملك بصورة قاطعة ومباشرة، وأثار ذلك استغراب ترمب الذي تخبره ثقافته المحدودة بأنه لا يوجد ملك يمكن أن يرفض توسعة أراضي مملكته، ويؤشر ذلك إلى خلل عميق في تفكير ترمب يجعله يهمل حقيقة أن الأردن بلد يموج بالتفاعلات السياسية والاجتماعية، وأن نظامه السياسي مختلف عن دول عربية أخرى، وأن هذه الموضوعات ذات الصبغة الوجودية، أشبعت دراسةً ونقاشًا في الأردن، وتحولت مع الوقت، إلى ثوابت بعد أن تجاوزت بقاءها في ?ضاء الخيارات لعقود من الزمن.
الدولة الفلسطينية هي الخيار الأساسي، وبعد السابع من أكتوبر، أصبحت التكلفة الأخلاقية داخل جميع الدول والأنظمة العربية مرتفعة للغاية، بمعنى أن الحدث المحوري في تاريخ المنطقة، بفشله في تحقيق بعض أهدافه ونجاحه في أخرى، تمكن من استعادة مركزية القضية بوصفها موضوعًا للنقاش، وأعاد إسرائيل إلى صورتها العدوانية التوسعية الطبيعية التي حاولت أن تواريها في بعض المراحل، وعلى ذلك، فإن القمة العربية الأخيرة، شهدت مناورة واسعة من ولي العهد السعودي تمثلت في رفع سقف الموقف ليكون ذلك استباقًا لمطالبات ساذجة ومباشرة من الرئيس ?رمب، ففي وصف الإبادة الجماعية، يصبح المقابل لتجاوز هذه الوضعية، هو دولة فلسطينية، وهو الطرح المحتمل عمليًا، خاصة أن الرئيس ترمب يفكر في تسوية مستدامة أو قابلة للاستدامة، بدلًا من التسويات التي تستمر لخمس أو عشر سنوات على حسب وصفه في تعليقه على الترتيبات المرتقبة في لبنان.
الحديث عن تفاصيل الدولة الفلسطينية يطرح الأردن بوصفه لاعبًا رئيسيًا، فأي كيان في الضفة الغربية، سيكون مرتبطًا بشكل عضوي مع الأردن، وهي الحالة القائمة بالمناسبة، ومحاولة إزاحة الأردن في مرحلة سابقة من خلال تشغيل مطار رامون للمسافرين الفلسطينيين أظهرت انقسامًا فلسطينيًا، بين من يرون أن معبر الكرامة يستنزف الوقت والمال، ومن يرون ذلك خطوة لتفويت فرص على الأردن تبقى ضرورية لأنه الطرف الوحيد الموثوق بالنسبة لسكان الضفة الغربية، وأنه لا يمكن تحويل أي رصيد للثقة من عمان إلى الجانب الإسرائيلي، وفي النهاية، بدى واضح?ا أن وجود الأردن داخل المعادلة في الضفة أمر لا يمكن تجاوزه.
الأردنيون وحدهم يمكن أن يبرروا على المستوى السياسي والاجتماعي العناية بالشأن الفلسطيني لدرجة أن يعتبر أحيانًا شأنًا داخليًا أردنيًا، وباستيعاب البعد الاجتماعي فالاستدامة الضرورية للتسوية أو لاستعادة ما يمكن وصفه بالسلام.
يذكر أن الرئيس جمال عبد الناصر، وبشهادة أحمد الشقيري، تقدم من الملك الحسين بعرض لسيادة أردنية على قطاع غزة، وبما يعزز خصوصية الحالة الفلسطينية في انعكاسها الأردني، فهل يمكن لترمب أن يضع ذلك في اعتباره، وهل يعتبر الفلسطينيين كيانًا إنسانيًا يمتلك حق تقرير المصير، والبحث عن شروط حياته المستقبلية، أم يظل متمسكًا بفكرة وجودهم ككتلة بشرية يمكن ترحيلها حيثما يشاء، وفرض نمط الحياة الذي يتناسب مع مخططاته عليها.
الأردن لا ينظر للمنطقة بوصفها صفقة عقارية، لأن تاريخه فرض عليه مسؤوليات كثيرة وخبرته في الممكن القبول به، وما يتوجب رفضه، تتخطى شخصية رجل ينظر للعالم وكأنه أراض من غير شعوب، وفي أفضل الأحوال فالبشر لديه ليسوا سوى زبائن محتملين.
ما هي الخيارات الأردنية؟
لا توجد خيارات بالمعنى المتعارف عليه لأنه لا توجد خطط واضحة إلى اليوم على الأقل، وكل ما يمكن هو المسؤولية في الممارسة السياسية لتجنب أن تصبح خيارات الأردن عرضة لضغط مزدوج من الداخل والخارج، خاصة لمن يفكر أن يمارس الضغط لمصلحة ذاتية أو شعبوية مؤقتة! لماذا لا يتسع الهامش لمثل هذه الممارسات مع أن كثيرين يترقبونها؟ ببساطة الوضع معقد ولا يحتمل أن نزرعه ألغامًا ثم نفتح الطريق لإدعاء الحكمة بأثر رجعي.
الرأي