جذب الاستثمارات الأجنبية .. محرك رئيس نحو الازدهار والنمو المستدام
أ.د تركي الفواز
16-11-2024 05:56 PM
في إطار التحديات الاقتصادية المتزايدة التي يواجهها الأردن، يأتي توجيه جلالة الملك عبد الله الثاني باعتبار ان جذب الاستثمارات الأجنبية أولوية قصوى لدفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، هذا التوجه يندرج ضمن رؤية أوسع تسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، مع التركيز على بناء بيئة أعمال ملائمة وتقديم التسهيلات للمستثمرين،حيث تشكل رؤية التحديث الاقتصادي حجر الزاوية في استراتيجية الأردن لتعزيز مكانته كوجهة استثمارية إقليمية ودولية، وتهدف هذه الرؤية إلى جذب استثمارات أجنبية مباشرة تصل إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2033،ويعد هذا الهدف جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة، مما يسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين وتنويع مصادر الدخل القومي.
فالرؤية تستند إلى نقاط القوة التي يتمتع بها الأردن، مثل الموقع الجغرافي الاستراتيجي، والكفاءات البشرية ، والاستقرار الأمني والسياسي، وهي تسعى إلى توحيد جهود الحكومة والقطاع الخاص لتهيئة بيئة أعمال تنافسية تعزز من جاذبية الاردن للاستثمارات الأجنبية، خاصة في القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والسياحة،ولتحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي، يواصل الاردن تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الإدارية التي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال، حيث تشمل هذه الإصلاحات تحديث القوانين والتشريعات الاقتصادية وتبسيط الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بتأسيس الشركات وتسجيلها، ومن اجل تسريع الإجراءات وتسهيل عمليات الاستثمار ، فانه اصبح ضرورة اعادة هيكلة وزارة الاستثمار ،وذلك من اجل خلق بيئة أكثر جذباً للمستثمرين وتسهيل تعاملاتهم مع القطاع الحكومي وهذا يعزز من ثقة المستثمرين الأجانب في السوق الأردني، وتسعى جهود الأردن لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، حيث إن هذه الاستثمارات لا تقتصر على كونها تدفقات مالية، بل تمثل شراكات استراتيجية تسهم بشكل ملموس في تحفيز النمو الاقتصادي، خلق فرص العمل، نقل التكنولوجيا ،زيادة الإيرادات الضريبية، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، ومع الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، يمكن للأردن أن يعزز مكانته كمركز إقليمي للاستثمار، مما يسهم في تحقيق الازدهار والتنمية المستدامة للأجيال القادمة.
هناك العديد من الدول الأخرى التي حققت قصص نجاح ملهمة في التحول الاقتصادي والنهوض من أزمات و تحديات كبيرة،مثل سنغافورة: من جزيرة فقيرة إلى مركز اقتصادي عالمي، و كوريا الجنوبية: من الفقر إلى التكنولوجيا، و إستونيا: قفزة رقمية نحو المستقبل ،وفيتنام: إصلاحات اقتصادية واسعة،و تشيلي: قصة نجاح اقتصادية في أمريكا اللاتينية ، و رواندا: من الإبادة الجماعية إلى التحول الاقتصادي، و ماليزيا: من الاقتصاد الزراعي إلى التصنيع ،و الإمارات العربية المتحدة: من الاقتصاد النفطي إلى التنوع الاقتصادي ، و إيرلندا: التحول من الركود الاقتصادي إلى النمر الكلتية، هذه الدول تمثل أمثلة مختلفة عن كيفية استغلال الظروف الخاصة، سواء كانت تحديات أو فرص، لتحقيق تحول اقتصادي ناجح،قد تختلف التجارب، لكن العنصر المشترك بينها هو الرؤية الاستراتيجية، والالتزام بالإصلاحات الضرورية لتحقيق النجاح.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه الأردن في سعيه لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل الروتين البيروقراطي الذي يعوق عمليات الاستثمار، ومعدلات الضرائب المرتفعة التي تتطلب تقديم حوافز ضريبية أكثر تنافسية، بالإضافة إلى الحاجة لتحسين جودة البنية التحتية لتسهيل العمليات اللوجستية وتقليل تكاليف التشغيل، في السنوات الأخيرة شهد الأردن عدة قصص نجاح حقيقية في جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يعكس فعالية الجهود الحكومية في تحسين بيئة الاستثمار وخلق مناخ اقتصادي محفز، وقد أسهمت هذه الجهود في تحقيق تقدم ملحوظ في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة واللوجستيات، من خلال استثمارات شركات عالمية مثل "أمازون" و"مايكروسوفت"، ومشاريع رائدة مثل "شمس معان" للطاقة الشمسية، ومنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. تُعد هذه النجاحات دليلاً على التزام الأردن بتعزيز بيئته الاستثمارية، مما يجعله مركزاً استثمارياً إقليمياً، ويعكس قدرته على تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتوفير فرص عمل جديدة لشبابه.
يمثل جذب الاستثمارات الأجنبية خطوة حاسمة نحو تحقيق رؤية الأردن الاقتصادية الطموحة، التي تسعى إلى بناء مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة، من خلال الاستفادة من موقعه الاستراتيجي، واستقراره الأمني والسياسي، وتطوير بيئة أعمال ملائمة، يستطيع الأردن أن يعزز من جاذبيته كوجهة للاستثمار الدولي، قصص النجاح التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة تؤكد جدوى الجهود الحكومية في تهيئة بيئة استثمارية مشجعة، وتمثل إشارات إيجابية لقدرة الأردن على تحقيق أهدافه الاقتصادية الطموحة، ومع التزام الأردن بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع المستثمرين الأجانب، يبقى الطريق مفتوحًا أمام تحقيق نمو اقتصادي مستدام، ورغم التحديات المتبقية، من الواضح أن الأردن يسير في الاتجاه الصحيح نحو خلق بيئة استثمارية قوية وجاذبة، تساهم في تحسين جودة الحياة وتوفير فرص جديدة للأجيال القادمة، مما يعزز من مكانته كمركز اقتصادي إقليمي مزدهر.