حكاية القوانين والأفكار المُعلًقة .. لمن ومتى تُفتَح أدراجها؟
محمود الدباس - ابو الليث
16-11-2024 05:42 PM
هما أمران متشابهان في الحيثيات.. وفي طريقة التعامل والتعاطي معهما.. لذا سأعرج عليهما معاً في هذه العجالة..
فما أن نخطو خطوة باتجاه تقديم مقترحٍ.. أو طرح فكرة تحمل في طياتها حلاً لمشكلة قائمة.. أو نقلاً لخبرة دولٍ سبقتنا.. حتى نصطدم بتلك العبارة الباردة.. والتي أصبحت مألوفة لكل من تعامل مع الأجهزة الحكومية.. "نحن نعلم ذلك جيداً.. وحتى أن هناك تشريعات تنظم هذا الأمر".. وكأن الحكومة تعلم كل شيء مسبقاً.. وكأنها قد أعدت لكل تحدٍ قانوناً.. لكنها أبقت تلك القوانين والأفكار حبيسة الأدراج.. تُخرجها تارةً وتغيبها تارةً أخرى.. بناءً على ميزان نفوذ الأفراد المنتفعين.. أو المتضررين.. وثقلهم الاجتماعي..
ولعل ما يثير الحيرة ويُشعل في النفس تساؤلاتٍ عميقة.. هو هذا الواقع المقلوب.. الذي يحكم تطبيق القوانين.. فكلما علا شأن الشخص وزاد نفوذه.. بات القانون ليناً أمامه.. أو قل حتى سكنَ وتلاشى في حضرته.. أما إذا كان الفرد من عامة الشعب.. فهو من أولى الناس بتجربة القوانين بحذافيرها.. كأن القانون هنا يصبح أداةً انتقائية.. تهب لنصرة الضعفاء فقط حين يخلو المشهد من أصحاب الجاه والسلطان..
وأمثلة إسكات القوانين أمام المتنفذين لا حصر لها.. منها ما نشهده من تعطيل فتح أو شق الطرق في مناطق حيوية.. بسبب اعتراض متنفذ.. ليُحرم أعدادٌ كبيرة من المواطنين من هذا الحق الأساسي.. أو تلك الاعتداءات الصارخة على جوانب الطرقات.. حيث تُبنى الأسوار أو المباني دون الالتزام بالارتدادات القانونية.. فيضيق الطريق أمام المارة والمركبات.. ومع ذلك.. تقف البلديات عاجزة عن إزالة هذه المخالفات إذا كان المعتدي صاحب نفوذ أو علاقات واسعة. هذه الوقائع المتكررة تُظهر أن القانون الذي يجب أن يكون سيفاً يقطع الاعتداءات.. يتحول إلى أداة صامتة في وجه الأقوياء.. بينما يُفعّل بكل صرامة ضد الضعفاء.. أو من لا سند لهم..
ومثال آخر يظهر بوضوح في مشكلات المجمعات السكنية.. حيث نجد أن أحد أبرز أسباب النزاعات بين الجيران.. يعود إلى استغلال مساحات الكراجات وتحويلها إلى شقق سكنية.. فصاحب الإسكان الذي لا يراعي سوى تحقيق الربح السريع.. يأخذ جزءاً من مساحة الكراج السفلي ويحوّله إلى شقة.. مكتفياً بدفع غرامة للبلدية.. كأن المشكلة قد حُلت بمجرد دفع المال.. بينما البلدية تغض الطرف.. ولا تتخذ إجراءات رادعة لإزالة الشقة. وعلى الرغم من أن هذا الفعل يُقلص عدد المواقف.. ويشعل الخلافات بين السكان.. إلا أن الأثر يتعدى ذلك.. ليحمل في طياته مخاطر أكبر.. فإذا ما غابت تصريفات المياه المناسبة في مثل هذه الحالات.. فقد تتعرض الشقة السفلية للغرق في موسم الأمطار.. حيث تكون محاصرة من جميع الجهات.. لتتحول المسألة من مجرد مشكلة مواقف.. إلى خطر داهم يهدد سلامة المبنى وراحة سكانه..
أما الأفكار والمشاريع التنموية والإبداعية.. والتي قد تُغير وجه الوطن.. فهي قصة أخرى من قصص الأدراج المغلقة.. كم من دراسة وُضعت بتأنٍ وبحثٍ معمقٍ لتقديم حلول جذرية لمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية؟!.. وكم من فكرة ابتكارية لو نُفذت لغيّرت واقع الأجيال القادمة؟!.. لكن.. وللأسف.. تُطوى تلك الدراسات في أدراج البيروقراطية.. تنتظر موسماً مجهولاً لإعادة النظر فيها.. الأفكار موجودة.. والقوانين جاهزة.. لكن التنفيذ معلق.. لا يُخرج من الأدراج.. إلا بما يتناسب مع أمزجة متنفذين.. أو مصالح شخصية ضيقة..
وهنا يكمن التساؤل الجوهري.. متى تُخرج الحكومة ما لديها من كنوزٍ معرفية.. وتطبيقاتٍ قانونية إلى النور؟!.. ومتى سنرى إرادة حقيقية.. تقودنا نحو أردن أقوى وأرقى؟!..
فإن العبرة ليست بوجود القوانين والدراسات.. بل بوجود ارادة حقيقية.. وايماناً بقدرتنا على تحويلها إلى واقع.. ينعكس إيجاباً على حياة الناس ومستقبل الوطن..