اغتيال الشخصية بين الإشاعة والأدلة
د. بلال السكارنه العبادي
29-05-2011 02:39 PM
تشكل ظاهرة اغتيال الشخصية ؛ معلما بارزا وسط الحركة السياسية والاجتماعية الاردنية . وهى وان كانت ظاهرة عامة نجدها فى اغلب التيارات السياسية الاردنية ؛ واغتيال الشخصية هى مجموعة من الممارسات الهجومية ؛ التى ترمي الى تصفية الخصم اجتماعيا وسياسياً, لا الى التحاور معه او الجدل الفكرى او السياسى مع اراءه ومواقفه . وتستخدم فيها الاشاعة والتشنيع والاتهامات المجانية التى تتعلق بشخصه وامانته واخلاقه ودوافعه , كما يتم فيها استخدام نصف الحقائق والاكاذيب والروايات الملفقة وغير المثبتة , كل ذلك بقصد اغتيال شخصية الخصم وتصفية مصداقيته وحرق صورته الاجتماعية فى الحياة العامة .
واذا كانت ممارسات اغتيال الشخصية , والتى تندرج تحت بابها اساليب الدعاية السوداء تعتمد فى الغالب على قنوات غير رسمية وعلى تسريب الاشاعة وترديدها شفهيا واعلامياً , خاصة فى ظل غياب لآليات الديمقراطية لادارة الصراع وتحت ظل الاراء التى ترى فى مخالفة للرأي تكتلا وانقساما وتخريبا ولا تكون هناك من وسائل لادارة الصراع شريفة وواضحة , وتصبح وسائل اغتيال الشخصية والمؤامرات وتصيد الاخطاء والعزل الاجتماعى هى الوسائل الاساسية لابعاد الخصوم .
ولقد ادت حملات اغتيال الشخصية التى مورست في فترات سابقة إلى تشويه سمعة العديد من الاشخاص دونما ذنب ارتكبوه والى تعميم اختلاقات وتاييدها لمدة سنين طويلة , والى حالات عزل اجتماعى قاسية تعرض لها ابرياء ؛والى نتائج مأساوية من الاكتئاب والمرض النفسى او العزلة او الانتحار, كما ادت فى حالات كثيرة الى ابعاد الشخصية المستهدفة من مجال العمل العام , وضرب مصداقيته وتقليل تأثيرها السياسى والاجتماعى ، الا انهم فى الاردن قد اضافوا اليها اساليب جديدة وخصوصا ما يتعلق بالتشكيك فى اخلاقيات وسلوكيات الشخصية المستهدفة .
وفي ظل الحراك السياسي والاجتماعي نحو محاربة الفساد باعتباره أولويّة وطنيّة لتعزيز مسيرة الشفافية والنزاهة والموضوعية تشكل في مجملها متطلبات مهمة لترسيخ النمط الاقتصادي والسياسي الحديث للدولة الأردنية، برز مسألة التشكيك واطلاق الاشاعات للنيل من سمعة شخصيات وطنية كانت في مواقع المسؤولية وخدمت الوطن والمواطن يشهد لها القاصي والداني بانجازاتها الوطنية ونظافة يدها حيث يتم تشويهها بالاشاعات المغرضة التي تسعى الى اسقاطها سياسياً واجتماعياً وليس نحو تحقيق المصالح الوطنية.
هنالك فرق كبير ما بين النقد والاغتيال خاصة تلك الاشاعات المبنية على الاقاويل والاكاذيب ولا يوجد ما يثبتها من ادلة وبراهين ، وان الاشخاص الذين يعملون بالعمل العام ما دام انه قبل بالمسؤولية العامة فهو سيكون تحت المجهر والمراقبة والنقد البناء الذي يسلط الضوء على التجاوزات والاخطاء التي تصب في مصلحة الوطن ، اما اغتيال الشخصية فهو بدون شك يحمل بين طياته الاساءة المباشرة الى الشخصيات العامة ، لانه ببساطة يتجاوز الاعراف ودرجة القبول والمقبول الى الطعن بشرف وكرامة الشخصية ونتائج ذلك السلبية وانعكاساته الاجتماعية الخطيرة على الوطن والمواطن خاصة في ظل غياب تشريعات واضحة تتصدى لهذه الظاهرة بكل حزم وجدية.
والسؤال الذي يطرح الآن ونحن نعيش فترة البحث عن الفاسدين وحتى لا يقحم ما بين الفاسد واستثمار هذه الاوقات في اغتيال الشخصيات العامه وكيفية الوصول الى ادلة مقنعة ذات دلالات قانونية تساهم في ضبط الفاسدين مادياً ومعنوياً ، فمن غير المعقول ان يكلف شخص ما بوظيفة عامة ويكون قبلها محدود الثروات واثناء فترة وجيزة اذ به فاحش الثراء ومن اصحاب الملايين ولا يسأل من أين لك هذا وكيف حصلت على هذه الامتيازات والثروات ، فاذا كنا نسعى لعدم اطلاق الاشاعات جزافاً واغتيال الشخصيات العامه فالاجدى ان يتم محاربة الفاسدين ومعاقبتهم درءً للاشاعات ومنعاً لاغتيال الشخصيات العامه.
bsakarneh@yahoo.com