ما بين الولاء الأعمى .. والمعارضة الهوجاء .. هل الوطنية وجهة نظر؟!
محمود الدباس - ابو الليث
15-11-2024 03:23 PM
في زحمة الحياة اليومية.. وبين احتكاكنا مع الناس بمختلف مشاربهم وأفكارهم.. تتجلى صورة التباين البشري بشكل واضح.. تجد من بين هؤلاء.. مَن يعتنق فكرة ما.. ويؤمن بها إيمانا مطلقا.. ولكنه لا يكتفي بذلك.. بل يسعى بكل ما أوتي من أدوات وأساليب.. لفرضها على الآخرين.. دون أن يترك مساحة للاختلاف أو النقاش.. وكأنما الحقيقة لا تعني إلا رأيه فقط.
المشكلة تكمن.. حين يتحول هذا الاختلاف الطبيعي في الآراء.. إلى حالة من التصنيف والتقوقع.. فتجد من يُطلق صفات مثل "ابن البلد" أو "الوطني" بناء على هواه الشخصي.. ومفهومه الخاص.. ناسياً أو متناسياً أن الجميع دون استثناء هم أبناء هذا الوطن.. فلا يحق لأحد أن يصادر هذا الحق أو يحتكره.. ولا يجوز أن تُختزل الوطنية في حدود الإعجاب بشخص.. أو التماهي مع توجه معين.. فالوطن أكبر من الأشخاص والجماعات.. والانتماء له ليس حكراً على طرف دون آخر.
أما حين نأتي لمفاهيم الولاء والمعارضة.. نجد خللا فاضحا في فهمها وتطبيقها.. أصبح الولاء بالنسبة للبعض.. مرادفا للتصفيق الأعمى.. والتطبيل لكل مسؤول.. بغض النظر عن أدائه أو إنجازاته.. بينما يرى آخرون أن المعارضة.. هي مرادف للهجوم الحاد.. والانتقاد اللاذع.. بل وتزداد مكانة المعارض في نظرهم.. كلما كان صوته أعلى.. وعباراته أشد قسوة وتجريحا.. وكأنما المعيار الوحيد للمعارضة.. هو شدة الإساءة.. وليس قوة الحجة.
لكن الحقيقة أكثر تعقيداً.. فالولاء الحقيقي.. هو ذاك الذي ينطلق من حب الوطن.. والسعي لاستقراره وازدهاره.. هو ذاك الولاء الذي ينتقد السلبيات بموضوعية.. ويقترح الحلول بعقلانية.. دون الوقوع في فخ التطبيل والتسحيج أو التجاهل.. وكما يقول صديقي.. على الاقل ان نُبقي العربة في مكانها.. وحيثما وصلت.. لا أن نسمح بأن تعود للخلف.
وبالمِثل.. المعارضة الراشدة.. فهي ليست أداة هدم.. أو وسيلة لتصفية الحسابات.. بل هي عين الوطن الساهرة على مصلحته.. تُنبه إلى الأخطاء دون تهويل.. وتضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار شخصي.. أو حزبي.
إن الوطنية الحقيقية ليست شعاراً يُرفع.. ولا لقباً يُمنح.. بل هي سلوك وممارسة.. وهي لا تقبل أن تُختزل في آراء ضيقة.. أو شعاراتٍ جوفاء.. ما تراه صحيحاً.. قد يكون من وجهة نظر الآخر عكس ذلك.. وهذا هو سر جمال الاختلاف.. لكن حين يتحول هذا الاختلاف.. إلى أداة للتخوين.. أو الإقصاء.. فإننا بذلك نفقد جوهر الديمقراطية.. وروح التعايش.
الولاء الصحيح.. والمعارضة الراشدة.. وجهان لعملة واحدة.. عنوانها حب الوطن.. وسعيها الحفاظ عليه.. فلا تجعلوا من أصواتكم أدوات هدم.. ولا تجعلوا من صمتكم تواطؤا على الباطل.. الوطن بحاجة لمن يفكر ويعمل بإخلاص.. لا لمن يُعجب.. أو يرفض بغوغائية.