على كاهل الرحيل رواية هيام ضمرة
علي القيسي
15-11-2024 12:37 AM
رواية تتحدث عن زمن قريب تداعياته ماتزال قائمة ، على كاهل الرحيل ، ثمة عمق في العنوان دال وثمة مأساة انسانية كبيرة ، رواية تعج بكل التفاصيل على مدى ٣٤٥ صفحة ، كل صفحة تنبض بالألم والأمل والسرد المتماسك والمشوق ، هيام ضمرة كاتبة وروائية وقاصة ،تمتلك أدواتها الابداعية ولديها نفس طويل بالاسهاب والاطالة في نصوصها ومؤلفاتها ، وهي تريد توصيل فكرتها كاملة وبألفاظ وجمل طويلة وهذا الأسلوب الكلاسيكي الطبيعي نجده في هذه الرواية ، تتحدث عن مأساة شعب عربي تعرض للظلم والقمع والموت والاعتقال والتهجير ، فالشعب السوري هو محور الرواية ، قضية الحرب والربيع العربي الدموي والمؤامرة والتدخلات الأجنبية ، والحرب الأهلية ،وما افرزته من كوارث انسانية وسياسية وجغرافية ، ثمة أبعاد ومحاور تنطلق منها الرواية ، هناك أمجد وفاطمة وأبو الليث وشخوص كثر لهم ظروفهم وعلائقهم بالسرد والأحداث ، ثمة القصة لكل واحد منهم ، وكلهم يجمعهم اطار المعاناة والوجع ومواجهة الظروف الصعبة التي وجدوا انفسهم فيها ، الرواية تتحدث عن كل شخص مواطن سوري ، إن كان مع النظام أو مع الثورة ، كلهم واجهوا دمار حياتهم وبلدهم وسلب كرامتهم وموتهم المجاني ، هناك الطائفية وهي الشر المستطير ،
الكاتبة كانت تحرك أبطال الرواية بطريقة مقنعة وواقعية وتحدد أدوارهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض ومع الظروف المحيطة بهم ، الفنية بارزة في الحبكة والسرد وفي توظيف الزمن لصالح السرد والمكان والأحداث ، والمكان يتحدث عن نفسه في البحر والهجر والرحيل والقارب ، والأمكنة التي وصلها المهاجرون في السواحل الغربية ،، وربط هذه الأحداث بالوضع العربي السياسي بشكل عام ،فالقارب الذي كان يصارع الموت والامواج وعلى متنه أربعون مهاجرا تعرض لتحدي الأمواج والرعب والهلع ورهبة البحر في الظلام ، وذاق من كان على ظهره كل أسباب الخوف والرعب حينما كانت الأمواج العاتية تكاد تغرقه ومن عليه من أطفال ونساء ورجال.
من هنا كان للبعد المادي لدى القراصنة أصحاب القارب المطاطي مايفوق موت الناس وغرقهم في ظلمات البحر ، فالمال في هذه الجريمة والطمع والجشع أس المشكلة للأبرياء الذين غامروا بحياتهم من أجل الهجرة والعيش بأمان وكرامة.
وثمة المخيمات وسوء الحياة في هذه الأماكن التي تستقبل المهجرين الباحثين عن الأمن والامان والسلام ، فهي ركن أساس من محاور الرواية ، المخيم المكان المعروف للجوء والنزوح لمن ضاقت به السبل وفرّ من وطنه بالاكراه والتهديد ،فالمخيم وتحديدا الزعتري المشهور على الحدود الاردنية السورية له قصص وحكايات في هذه الرواية .
رواية تؤرخ للأجيال القادمة والمستقبل ، وللأسف ليس هناك ما يبهج الناس أوالاعتزاز بأنظمتهم العربية خاصة النظام الدكتاتوري السوري ، فالشعوب العربية تعيش حالة التشظي والفقر وضيق العيش والحياة ، وهذا يعكس ماجاءت به رواية على كاهل الرحيل ، فالتحليل للسرديات واقعي جدا ،،فالحكاية والقصة لكل شخص واضحة وواقعية وموثقة ولا مجال للشك والظن والاستغراب ،هناك كارثة حدثت وقتل مئات الألوف البشر ، ومن ناحية أخرى هناك الجانب الانساني والعاطفي في العلاقات الانسانية والاجتماعية وزواج فاطمة و أمجد وانبثق عن هذا الزواج عائلة وأطفال ،، فالرواية لم تغفل الجانب المشرق في الحياة فهناك التمسك بالأمل والرجاء والعودة إلى الوطن .
وهناك الفرح والزواج ، والخروج عبر الحدود إلى أماكن آمنة يعد تحد والوصول بالسلامة إلى الحدود الأردنية والمساعدة في تقديم الخدمات والأمن والغذاء والدواء ، فهناك خطوط عريضة في الرواية وتتفرع عنها الجزئيات والفروع والتفاصيل ، وكلها تلتقي في استثمار الفكرة واحياء حركة الشخوص ، والنجاح في الهدف في توصيل الرسالة عبر الأدب الروائي إلى المتلقي ، وفي تسليط الضوء على الزوايا المعتمة ، فوظيفة الأدب الدرامي تشكيل الوعي لدى الجمهور ، ووضع الاصبع على الجرح ، وكشف الحقائق المخفية.
ومن ناحية أخرى تعكس سرديات الرواية وتفاعلاتها الدرامية مدى الظلم الواقع على المواطن العربي المسلم ، من الأنظمة التي تضيّق الحياة على الناس ، حيث خطر الطائفية والاقليمية والجهوية والطبقية جميعها تكرس الظلم وغياب العدل والحرية والديمقراطية ، وتجعل المجتمع لايملك حرية الرأي للفرد والجماعة ، عندها تختل السياسة والاقتصاد والمجتمع ، وتنمو نزعة الفردية والانتماء للطائفة والقبيلة والعشيرة . هناك الكثير من المتناقضات والاضداد التي برزت في الرواية والتي وظفتها الكاتبة لمصلحة الرواية وفنيتها ،، وهذا الأمر ليس عليه غبار ، فالمشكلة التي حدثت في القارب في عرض البحر وهو يصارع الامواج كانت بين ركابه ،حيث الشخص الذي ثارت ثائرته وغيرته على زوجته أثناء اضطراب القارب بسبب شخص احتك بها بشكل عفوي نتيجة التوتر والخوف والرعب واهتزاز القارب المتهالك وهو يواجه الامواج العاتية ، هذه المفارقة تعكس طبيعة الناس حتى في ظروف كهذه.
الكاتبة المبدعة هيام ضمرة ، استعملت لغة شعرية توصيفية في فصول كثيرة من الرواية ، عززت قوة اللغة ، وزخر اسلوبها بالوصف الجميل الممتع حين تتحدث عن المكان ، وعن الطبيعية ، تقلنا إلى أجواء رومانسية رغم أحداث الرواية البائسة ، وفي هذا التنويع في السرد الروائي يخدم البنية الروائية والموضوعية والحكائية ، رواية على كاهل الرحيل رواية تاريخية وسياسية واجتماعية تؤرخ لمرحلة مهمة وخطيرة في عدم الاستقرار السياسي والامني في المنطقة العربية وفي دولنا العربية ،
وفي الختام أرجو للكاتبة الصديقة دوام التوفيق والنجاح في أعمال أدبية أخرى .