يتجلّى تعزيز الأمن الثقافي بقدرة المؤسسات الثقافية العامة والخاصة على إنشاء منظومة عمل متكاملة، وفق إستراتيجية وطنية محددة المعالم، واضحة الأهداف، ضمن إطار زمني متفق عليه، ومراجعات دورية لتقييم النتائج، بما يضمن النهوض بالثقافة، التي هي أساس التنمية البشرية، وعماد عملية التحديث والتطوير، في بلدٍ يعتمد على القدرات البشرية أكثر من اعتماده على غيرها من الموارد الطبيعية.
تشتمل منظومة العمل على ركائز كثيرة أبرزها وأهمها تعزيز قيم الانتماء الوطني، والعناية بالمبدعين والفنانين، والاهتمام بالمنتج الثقافي والدرامي ليخرج من عباءة الفردية والتكّسب ليعود إلى وضعه الطبيعي حاملًا لرسالة مجتمعية، وفاعلًا في الحياة اليومية.
في السنوات الأخيرة تراجع مفهوم (الرسالة) في العالم كلّه إلى مراحل دنيا، ليحل محله مفهوم (المهنة) التي تراجعت هي الأخرى لتصبح نوعًا من (التجارة)، فصار معظم أصحاب الرسالات تجّارًا في الكثير من المهن الإنسانية ذات الطبيعة النبيلة، وهو ما ينذر في حال استمراره، بالسقوط المريع في وحل الفساد الأخلاقي والثقافي، ويزلزل القواعد التي تقف عليها أي دولة وحضارة مهما كان شأنها.
لا يعني ذلك أن نكون تقليديين بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن التطور والتحوّل الذي لا يستند إلى مرجعياتٍ ثقافية وأخلاقية، ولا يقف على قواعد ثابتة تحرسها الدولة والقيم المجتمعية، سيكون مصيره الفشل والمزيد من السقوط والتردي، لأنّ الحرية المطلقة فسادٌ مطلق، فالإنسان كائنٌ مجتمعي لا يستطيع العيش إلّا بغيره من الناس.
قد يقول قائلٌ أنّ ذلك يتعارض مع الحريّة الشخصية، والحق في إطلاق الحريّات العامّة، ويمكن الردّ بأنّ الحرية الشخصية تنتهي عندما تبدأ بالمساس بحرية الآخرين الشخصية، وأنّ الحريّات العامة حريّات منضبطة بقواعد دستورية وقانونية، لأنّ أساس الحريّة أن لا تعتدي على حقوق الآخرين.
إنّ التنمية الثقافية والثقافة بمفهومها الشامل، قادرة على تحديد المسارات ورسم الأولويات الوطنية التي تضمن ديمومة التطور الإيجابي، وترفع سوية الكفاءات، بما يجعلها قادرة على التعامل بمرونة مع كافة المستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقادرة على تحفيز الإنتاج إلى طاقته القصوى، للوصول بوطننا الذي نحب إلى المكان الذي نريد.
* رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق