في لحظة من لحظات الحياة، حين تعيش كل تفاصيلها بصدق، وحين تستيقظ كل صباح، وتستقبل صوت الحياة، كما تستقبل لحنًا يشدو في قلبك، دون أن يعكر صفو أيامك شيء، حين تقرأ كتابك بتركيزٍ، وتكتب أفكارك على دفترك، تُشكل أحلامك كما تشاء، دون أن يحاول أحد أن يضع لك حدًا أو يقلل من طموحك،
هنا، في هذا الفضاء الهادئ، أنت في الحقيقة تعيش الحلم. تعيش حياةً تأخذك نحو الأفق دون أن يثقلها أي عبء، دون أن يُفرض عليك سكونٌ ممل، أو رأي يقلل من عزيمتك او يثبطها . وعندما ترى نفسك تكمل دراستك في الدكتوراه، تسير في طريقك غير مكترثٍ بمن يظن أن الأحلام الكبيرة ليست لك، تدرك أن ما تعيشه الآن هو ما كان يجب أن يكون، وأن حلمك قد بدأ يتحقق على الأرض، بيديك وقدميك ، دون أن يوقفك أحد.
حين نتحدث عن الإقصاء، فإننا نتحدث عن وجع صامت، عن جرح عميقٍ قد لا يُرى على السطح، لكنه يترك أثره الغائر في القلب. هو شعور أن تكون حاضراً، لكن وجودك لا يُعترف به؛ أن تملك حلماً وتراه يبتعد عنك في الأفق خارج ارادتك ،
لا لأنك ضعيف أو غير قادر، بل لأن أحدهم قرر أن هذا الحلم ليس لك. وكأنك تطرق أبواباً موصدة، أبواباً كُتب عليها "ممنوع الدخول"، رغم أنك تعرف جيداً أنك تستحق أن تعبر.
لم أكن يوماً ممن يرضون بسهولة بما يُفرض عليهم، وكأن الإقصاء بذاته بات وُقودي، كلما سُدّ بابٌ أمامي، وُلِدت في داخلي ألف فكرة، وكل فكرة تُضيء قسطا من الطريق ولو قليلاً، وتمنحني سبباً جديداً للاستمرار.
لكنني أقولها بصدق، ما زالت هناك غصة، جرح صغير يبقى ويكبر في الصدر، كأنه يهمس لك: "لولا الإقصاء، لكنتَ وصلت أسرع، لكنتَ حققت أحلامك بلا جهد مضاعف، بلا كل هذا الألم."
ليتني أستطيع القول إنني تجاوزت كل شيء، وإنني بعد كل تلك التحديات، وصلت إلى ما أردتُه بلا خسائر. لكنّ الحقيقة، أن كلّ خطوة، كانت تأخذ معها قطعة صغيرة مني، من روحي التي ضحيت بها في سبيل هذا الطريق.
ربما حققت ما أردت، لكنني خسرت شيئاً من السكينة، من طاقة الحلم الأولى. أصبحت أشعر أنني حققت حلمي، لكن جزءاً من قلبي بقي خلف الأبواب التي لم تُفتح، كأنني أتركه هناك، شاهداً على ما كنت عشته من قبل .
ما تعلمته من رحلتي، هو أن الأمل، برغم كل شيء، لا ينطفئ. هناك جمالٌ خفي في الاستمرار، وفي إصرارك على أن تكون رغم كل من قرروا أنك لا تستحق. وأنه حين تعبر أخيراً، ستعرف أن ما ضحيت به كان يستحق، وأنك رغم الألم، استطعت أن تكون أنت.
هكذا، يصبح الحلم ليس مجرد فكرة بعيدة، بل هو حياة نعيشها بكل تفاصيلها، حتى وإن كانت هذه التفاصيل مليئة بالصعوبات، فإنها تمنحك لذة الانتصار على كل من أراد لك الفشل، وتمنحك الفرح الذي يُولد من الأمل والتحدي.