هل تحالفهم مع ترامب أكسب عرب أمريكا وزناً سياسياً؟
داود عمر داود
14-11-2024 12:05 PM
الولايات المتأرجحة:
في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تجري كل 4 سنوات، يكون هناك نوعان من الولايات فيما يتعلق بإمكانية التنبؤ إلى أي مرشح سيصوت الناخبون فيها. النوع الأول يسمونه "الولايات الآمنة"، ويكون من شبه المؤكد إلى أيِ مرشحٍ ستصوت كلٌ منها، وذلك بناء على سجلها التاريخي مع أيِ حزبٍ تصطف، الديمقراطي أم الجمهوري. لذلك لا يخصص مرشحو الرئاسة لهذه الولايات كثيراً من الوقت والجهد والموارد، لأن نتيجتها معروفة.
أما النوع الآخر فهو "الولايات المتأرجحة" التي تضم كثيراً من المهاجرين، الذين من غير الممكن التنبؤ لمن سيصوتون. وهنا يكون الباب مفتوحاً لفوز أيٍ من المرشحين. ويركز المرشحون على هذه الولايات طوال فترة الحملة الانتخابية، لأنها عادة ما تلعب دوراً حاسماً في تحديد نتيجة الانتخابات. فالمرشح الذي يحظى بأصوات الولايات المتأرجحة غالباً ما يكون هو الفائز.
كان هناك في انتخابات 2024 الأخيرة، 7 ولايات متأرجحة هي ميتشيغان، جورجيا، بنسلفانيا، ويسكاونسن، نيفادا، كارولينا الشمالية، وأريزونا، وهي تملك مجتمعة 93 صوتاً في المجمع الانتخابي، من أصل 538 صوتاً من كافة الولايات. فيما المطلوب للفوز بالرئاسة 270 صوتاً.
لقد منحت الولايات المتأرجحة أصواتها إلى الرئيس السابق دونالد ترامب الذي حقق فوزاً ساحقاً على المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، بحصوله على 312 صوتاً انتخابياً، فيما حصلت هاريس على باقي الـ 226 صوتاً.
كيف رجح الناخبون العرب كفة ترامب؟:
خسرت المرشحة هاريس ولاية ويسكونسن بفارق حوالي 29 الف صوت لصالح ترامب، حيث يعيش في الولاية سبعون ألفاً من العرب والمسلمين. وفي بنسلفانيا التي يعيش فيها قرابة 200 ألف عربي ومسلم، خسرت بفارق 13 الف صوتٍ فقط. وخسرت ميتشيغان بفارق حوالي 81 ألف صوت. وخسرت جورجيا التي يعيش فيها 130 ألف عربي مسلم، وخسرت كارولينا الشمالية، التي يعيش فيها عددٌ مماثلٌ. كما خسرت أريزونا التي يعيش فيه 110 الآف عربي ومسلم.
وهكذا يتضح أنه على قلة أصوات العرب والمسلمين، بالنسبة لعدد السكان، إلا أنهم رجحوا كفة ترامب بأصواتهم القليلة، وحسموا المعركة الانتخابية لصالحه.
انقلب اليهود على ترامب فاستبدلهم بالعرب:
في خطاب الفوز في الانتخابات توجه ترامب بالشكر والامتنان الى الناخبين العرب والمسلمين، في الولايات المتأرجحة، على منحه أصواتهم التي ساهمت بفوزه الكاسح. وقد خص بالذكر الجالية العربية الاسلامية في ولاية ميتشيغان. بينما تجنب ترامب الإشارة إلى الناخبين اليهود، طوال حملته الانتخابية، لأنه غاضب عليهم حيث قاطعوا حملته ولم يصوتوا أو يتبرعوا له. فالمليون صوت يهودي في نيويورك مثلاً ذهبت كلها إلى منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وهنا يمكن تصور كيف تغير الحال. فاليهود كانوا داعمين لترامب بالمال والأصوات، وتربطه بهم علاقات وطيدة، وزوج ابنته منهم، جاريد كونشر. لكن، وبقدرة قادر، أصبح للجالية العربية الاسلامية مكانة لدى ترامب، وأخذ يُكثرُ من الاشادة بالجالية وبزعاماتها. فكيف حصل هذا؟..
هل هزمت "غزة" الديمقراطيين وجلبت الفوز للجمهوريين؟:
بداية لا بد من الإشارة إلى أن الجالية العربية والاسلامية في أمريكا تعطي أصواتها تاريخياً إلى الحزب الديمقراطي. لكن أبناء الجالية غضبوا غضباً شديداً، كباقي البشر، من موقف إدارة الرئيس جو بايدن المؤيدة لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على أهلنا في قطاع غزة. ومن هنا نستطيع القول أن "غزة" كانت هي السبب في الهزيمة المدوية التي لحقت بالحزب الديمقراطي، ممثلاً بـ كامالا هاريس، نائبة بايدن.
هل الحزب الجمهوري اخترق الجالية العربية أم العكس؟:
هناك شخصان، لبناني ويمني، لعبا دوراً محورياً في الانفتاح الذي حصل بين الجالية العربية والاسلامية وبين الحزب الجمهوري ممثلاً بدونالد ترامب. الانفتاح الذي أوجد تحالفاً سياسياً فريداً من نوعه، بين رئيس أمريكي سابق كان يكره العرب والمسلمين، ثم يتحول فجأة إلى محبٍ لهم، يشكرهم، في خطاب النصر، على التصويت له، ويعترف أن أصواتهم جلبت له فوزاً ساحقاً، وحققت له حلمه بالعودة إلى البيت الأبيض.
اللبناني الأصل "مسعد بولس" نسيب ترامب:
أول الشخصين هو رجل الأعمال اللبناني الأصل مسعد بولس، من مدينة هيوستون بولاية تكساس، الذي تربطه علاقة نسب مع ترامب، حيث تزوج ابنه من "تيفاني" ابنة الرئيس. وبولس هو الذي لعب دور الوسيط بين حملة ترامب والجالية العربية، في الولايات المتأرجحة، لاقناعهم بالتصويت لصالحه. وهو الذي أشرف على الحوارات التي جرت بين الجانبين، ورتب اللقاءات التي تمت.
اليمني "أمير غالب" رئيس بلدية في ميتشيغان:
أما الشخص الثاني الذي لعب دوراً أساسياً، في هذه الدراما السياسية، فهو "أمير غالب" اليمني الأصل، الذي انتُخِب عام 2021، رئيساً لبلدية مدينة "هامترامك" الصغيرة، بولاية ميتشيغان. وكان من أوائل من عملوا على إقامة هذا التحالف مع الحزب الجمهوري، وأول من رفع رأية التأييد للرئيس ترامب، ثم لحق به أبناء الجالية العربية والإسلامية في ولايته ميتشيغان، ثم تبعهم الناخبون العرب في باقي الولايات المتأرجحة.
وقد كشف أمير غالب أنه كانت هناك نقاشات، منذ عامين، للتحول من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري، مما يعني أن إرادة الطرفين، الجالية والحزب الجمهوري، التقت على إقامة هذا التحالف، الذي كانت أولى ثماره عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
الخلاصة: هل اكتسب عرب أمريكا وزناً سياسياً بتحالفهم مع ترامب؟:
هذه السابقة ، التي لا نظير لها، في قيام تحالف بين الجالية العربية الإسلامية وبين الحزب الجمهوري منحت الجالية وزناً سياسياً، سيكون له ما بعده في قادم الأيام، وربما تكون قد فتحت المجال أمام أبناء الجالية في دخول المعترك السياسي الأمريكي، خلال إدارة ترامب الثانية وما يليها. فما من شك أن دور العرب في الانتخابات الرئاسية، وتحالفهم مع الجمهوريين، قد وضعهم على الخارطة السياسية الأمريكية. فقد سبق ذلك دخول الفلسطينية رشيدة طليب والصومالية إلهان عمر إلى مجلس النواب.
كل هذا يجري في وقت انقطعت فيه علاقات يهود أمريكا واللوبي الاسرائيلي بالرئيس ترامب، وتلطخت سمعة إسرائيل جراء جرائمها في غزة، وخرج ملايين الأمريكيين للشوارع والجامعات ليعبروا عن سخطهم على الكيان. فهل نحن أمام تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط عامةً، والقضية الفلسطينية خاصة، في ضوء تصريح ترامب حول صفقة قرنٍ "محسنة" مع دولة فلسطينية؟..