الجامعات كمناطق اقتصادية إبداعية ومحرك للنمو الاقتصادي
د. جهاد مهيدات
14-11-2024 10:53 AM
بينما تتسارع الصناعات العالمية نحو اقتصاد قائم على التكنولوجيا والابتكار، أصبح نموذج التعليم العالي التقليدي غير متوافق بشكل متزايد مع متطلبات الاقتصاد الحديث. الدول التي تسعى لتحقيق نمو اقتصادي وتعزيز قدرتها التنافسية بحاجة إلى إعادة النظر في أطر التعليم العالي، والتركيز على تخريج طلاب يمتلكون مهارات عملية ملائمة للصناعة، من خلال إعادة تطور المناهج وتشجيع الشراكات الديناميكية بين الجامعات والصناعات، يمكن لأي بلد أن يبني قوة عاملة تتمتع بالمرونة والابتكار، وقادرة على مواجهة التحديات المتزايدة في سوق العمل.
تسلط الزيارة الأخيرة لجلالة الملك عبدالله الثاني إلى اثنتين من مؤسسات التعليم العالي الواعدة الضوء على هذه الحاجة الملحة، خلال تسليط الضوء على هذه المؤسسات التي تركز على التعلم العملي والشراكات مع الصناعات، وترسل الزيارة رسالة قوية، إذ يجب على الجامعات تجاوز الطرق التعليمية التقليدية وتبني نموذج تعليمي يدمج التجربة الواقعية والتعاون الفعّال مع القطاع الصناعي. هذه المصادقة تعزز دور التعليم العملي كركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والمرونة الوطنية، وتوضح أن توافق التعليم مع احتياجات السوق لم يعد خيارًا بل ضرورة.
تبدأ الحاجة إلى التحول في التعليم العالي بتقليص الفجوة بين المهارات التي تُدَرَّس تقليديًا وتلك المطلوبة في الصناعات المعاصرة. غالبًا ما تركز البرامج الأكاديمية التقليدية على المعرفة النظرية، مما يترك الخريجين غير مؤهلين للمهارات المحددة التي تسعى إليها الشركات الحديثة. المهارات مثل تحليل البيانات والتسويق الرقمي والهندسة البرمجية المتقدمة لا تحظى بالتمثيل الكافي في المناهج التقليدية. من دون الخبرة العملية، يواجه الخريجون تحديات كبيرة عند دخول سوق العمل، بينما تجد الشركات صعوبة في العثور على المواهب المحلية المؤهلة.
يجب على الجامعات أن تتحول نحو نموذج يعتمد على المهارات ويعطي الأولوية للكفاءات ذات الصلة باحتياجات الصناعة، مما يضمن استعداد الطلاب للعمل بعد التخرج. يتعين أن يتواكب التعليم مع الأهداف الاقتصادية، خاصة في ظل التغيرات المستمرة في احتياجات الصناعة. المؤسسات التي تفشل في مواكبة هذه التحولات تخاطر بتخريج طلاب قد يواجهون صعوبة في العثور على وظائف.
تم التأكيد على دور الجامعات في تحويل نفسها إلى "مناطق اقتصادية إبداعية". يمكن للجامعات أن تصبح بيئات تدعم الابتكار من خلال البحث وتوليد حلول صناعية وتطوير تقنيات جديدة، فضلاً عن تسهيل ريادة الأعمال بين الطلاب. من خلال تعزيز هذه الفكرة، يمكن للجامعات أن تساهم في بناء اقتصاد قائم على المعرفة والتكنولوجيا، مما يعزز القدرة التنافسية للبلاد.
يمكن للجامعات تسهيل هذا التوافق من خلال خلق بيئات إبداعية تتيح للطلاب استغلال كل الأدوات المتاحة لممارسة إبداعهم. يجب أن تكون هناك شراكات نشطة مع قادة الصناعة ورواد الأعمال، بالإضافة إلى تطوير المناهج وبرامج التدريب التعاوني والمبادرات البحثية. هذه الأنشطة تمنح الطلاب تعرضًا قيمًا للتحديات الواقعية، مما يخلق خريجين يعرفون ممارسات الصناعة.
تشجيع مسارات تعليمية مرنة ومجزأة داخل التعليم العالي يعد خطوة لتعزيز القدرة على التكيف. من خلال تقديم الشهادات قصيرة الأجل (Micro-Credentials) والدورات المجزأة التي تركز على المهارات المطلوبة بشدة، يمكن للجامعات تمكين الطلاب من متابعة مسارات تعليمية تلبي متطلبات الوظائف الحالية. دعم تطوير مراكز بحث تطبيقية داخل الجامعات يمثل خطوة حاسمة أخرى لإنشاء نظام تعليم عالي متوافق مع احتياجات الصناعة.
تطبيق مقاييس أداء للجامعات تتجاوز مجرد الأبحاث الأكاديمية (التي غالبا لا يكون لها أي تأثير في الواقع العملي) أمر ضروري. من خلال تقييم المؤسسات استنادًا إلى مستويات التعاون مع الصناعة وتوفير الحلول التقنية وملاءمة المهارات مع احتياجات الاقتصاد الوطني ومعدلات توظيف الخريجين، يمكن لصناع السياسات التأكد من أن الجامعات تساهم بشكل مباشر في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأوسع.
ترسل الزيارة الملكية الأخيرة رسالة مهمة إلى قطاع التعليم العالي. من خلال دعم المؤسسات التي تركز على المهارات التطبيقية والتدريب المتوافق مع احتياجات الصناعة، أكدت القيادة الملكية على دور التعليم العالي في استراتيجية النمو الوطني. يعد هذا الاعتراف دعوة للعمل لجميع الجامعات لتبني نهج يتماشى مع الطموحات الاقتصادية الوطنية.
مع استمرار تطور الاقتصاد العالمي، فإن الدول التي تستغل إمكانيات التعليم العالي لتلبية احتياجات السوق ستكون الأفضل في تحقيق النمو. من خلال مزيج من السياسات المتقدمة والشراكات القوية مع الصناعة والالتزام بالتعليم العملي القائم على المهارات، يمكن للدول بناء قوة عاملة مرنة وفعالة جاهزة للتعامل مع التحديات واغتنام الفرص في عالم تسيطر عليه التكنولوجيا.