عطش الأردن الأزلي: ثورة التقنية لمواجهة ندرة الماء
د. محمد العرب
13-11-2024 06:59 PM
يعاني الأردن من شح المياه بشكل مستمر، ما يجعله واحداً من أكثر الدول التي تواجه تحديات مائية في العالم وهذه المشكلة ناتجة عن قلة الموارد المائية الطبيعية وزيادة الطلب نتيجة للنمو السكاني وتدفق اللاجئين بحثا عن الأمان في الاقليم الملتهب ، فضلاً عن التغيرات المناخية التي قللت من كميات الأمطار ، ومع ذلك بدأ الأردن في تبني حلول استشرافية وابتكارية تعتمد على التقنيات الحديثة لضمان توفير المياه بطرق غير تقليدية ومستدامة.
وتعد تحلية المياه بالطاقة الشمسية أحد أبرز الأساليب المبتكرة التي تساهم في حل أزمة المياه في الأردن حيث تعتمد هذه التقنية على تحلية مياه البحر أو المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية بدلاً من الوقود الأحفوري، مما يوفر مصدراً للطاقة النظيفة ويقلل من تكاليف التحلية ويُمكن لهذه التقنية أن تشكل حلاً طويل الأمد للأردن ودول أخرى ذات الموارد المائية المحدودة، حيث تسهم الطاقة الشمسية في تقليل البصمة الكربونية وتحقق الاستدامة البيئية.
ومن الحلول المستقبلية الواعدة، تقنية التقاط الرطوبة من الهواء، والتي تعتمد على أجهزة تقوم بجمع الرطوبة في الغلاف الجوي وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب. هذه التقنية تعمل بكفاءة في البيئات الجافة والصحراوية، وتمثل حلاً واعداً لدول مثل الأردن التي تتسم بمناخ جاف. تطوير هذه التقنية يعني إمكانية استغلال الموارد الجوية للحصول على مياه نقية، مما يخفف من الضغط على الموارد التقليدية.
ويعتبر حصاد الضباب من الابتكارات المثيرة والثورية والتي أثبتت فعاليتها في بعض المناطق حول العالم وتعتمد هذه الطريقة على استخدام شبكات خاصة لالتقاط قطرات الماء من الضباب وتوجيهها لتخزينها كمصدر مياه إضافي ، ورغم أن هذه التقنية تحتاج إلى بيئات معينة ذات رطوبة عالية، إلا أنها قد تكون قابلة للتطبيق في بعض المناطق المرتفعة في الأردن التي تشهد تكاثفاً للضباب.
تقنيات إعادة التدوير المتقدمة باستخدام الخوارزميات المتقدمة تمثل أيضا خطوة كبيرة نحو الاستدامة، حيث يتم إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها بطرق متطورة، لتصبح صالحة للاستخدامات الزراعية والصناعية وحتى للاستخدامات المنزلية ، ويمكن للأردن ان تتقدم في عمليات تحسين نظام معالجة مياه الصرف الصحي للاستفادة منها بشكل أكبر، مما يخفف من الضغط على الموارد المائية ويقلل من حجم المياه المهدرة.
كما بدأت بعض الدول المتقدمة في تطبيق مفهوم نقل المياه الافتراضية، وهو استثمار يستحق النظر فيه من قبل الأردن ويركز هذا المفهوم على تقليل إنتاج المحاصيل التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، واستيرادها من دول غنية بالموارد المائية، مما يوفر استهلاك المياه المحلية. بهذه الطريقة، يمكن للأردن توجيه موارده المائية للاستخدامات الأكثر احتياجاً محلياً.
أحد الحلول المثيرة للاهتمام أيضاً هو تحفيز الأمطار الصناعية، حيث يتم تلقيح السحب بمواد كيميائية مثل اليود الفضي لتحفيز هطول الأمطار ويستخدم هذا الأسلوب في المناطق القاحلة لتوفير مصادر مائية إضافية، وقد يكون للأردن دور في تبني هذه التقنية مستقبلاً ، خصوصاً مع تزايد الضغط على موارده الطبيعية المحدودة.
تأتي هذه التقنيات المبتكرة كجزء من التحول نحو الاستدامة وحل أزمة المياه العالمية. إلا أنها تتطلب استثمارا كبيراً في البحث والتطوير، فضلاً عن دعم حكومي لتطبيق هذه التقنيات بشكل فعال. يحتاج الأردن إلى تبني استراتيجيات متكاملة تعتمد على تكنولوجيا حديثة متعددة ومتنوعة لضمان تأمين مصادر مائية كافية للأجيال القادمة.