قفزتك الاخيرة .. هل هي البداية .. أم النهاية؟! ..
محمود الدباس - ابو الليث
12-11-2024 11:24 PM
في غياهب التجربة البسيطة.. حيث وُضع ضفدع صغير في ماء على نار تتصاعد حرارتها ببطء.. استمر هذا الكائن الضعيف في التكيف.. في مسايرة حرارة محيطه بصبر.. حتى وصل الأمر إلى احتضار حياته.. فبدلاً من قفزة كانت ستنقذه.. ظل متكيفاً حتى استنزف طاقته بالكامل.. وحينما بلغت المياه درجة الغليان.. لم يعد له من طاقة للقفز.. فهلك.. لم يكن الموت من الحرارة نفسها.. بل من تماهيه العاجز مع الواقع القاسي.. وانهماكه في محاولة البقاء دونما مغادرة..
في حياتنا اليومية تتكرر تجربة الضفدع هذه.. نواجه ضغوطات تتصاعد ببطء مثل حرارة الماء.. ضغوطاً تتشكل من علاقات مرهقة.. من بيئة عمل متعبة.. أو حتى من واقع سياسي.. أو اجتماعي نخشى تغييره أو مواجهته.. نتكيف بحذر.. ننحني أمام تلك الضغوطات.. وننفق طاقتنا في التماهي معها.. فنخسر شيئاً فشيئاً قدرتنا على المقاومة.. نستنزف طاقتنا النفسية والجسدية.. حتى نصل لمرحلة.. نجد فيها أنفسنا أضعف من الهروب من هذا الواقع.. نتجمد في مكاننا كما تجمد ذلك الضفدع.. ونخسر ما هو أثمن من طاقتنا.. نخسر ذواتنا..
في العلاقات الاجتماعية مثلاً.. يسعى البعض للتأقلم مع سلوكيات.. أو أشخاص لا يرتاح لهم.. فقط لأن الخروج من العلاقة قد يكون مُكلفاً أو مرعباً.. وبعد فترة.. يصبح الخروج شبه مستحيل.. لأن التكيف مع الألم يصير عادة.. ويستمر الإنسان في استنزاف طاقته.. حتى ينتهي به الأمر فارغاً.. خالياً من إرادته الخاصة..
وفي ساحات السياسة أيضاً.. قد يصر البعض على المسار الخاطئ.. دونما حساب للعواقب.. فيسلكون طرقاً تزيد الأزمات بدلاً من حلّها.. والنتيجة؟!.. استنزاف لمكانتهم.. وتهاوٍ أمام ضغوطات ما كان لهم أن يقفزوا إليها أصلاً..
أما في المعارك العسكرية.. فإن القائد الحكيم.. يدرك متى يتوقف.. متى يتحول من الهجوم إلى الدفاع.. من الحرب إلى الهدنة.. لا يستمر حتى تذبل قواه.. بل يقفز عند اللحظة المناسبة.. ليحافظ على ما تبقى من قواه وجنوده وأرضه.. وليعيد ترتيب اموره..
إن المغزى العميق الذي تهدي إلينا قصة الضفدع البسيطة.. هو ألا نقضي حياتنا في تماهي مميت مع الضغوطات.. في محاولة مستمرة للتكيف مع ما لا يناسبنا.. إن لم نقرر أن نقفز في الوقت المناسب.. فإننا لا نخسر سوى أرواحنا.. وكرامتنا.. ومعنى وجودنا ذاته..
حدد الوقت الذي تقفز فيه.. احمِ كيانك.. وقيمك من هذا الواقع الذي قد يغلي من حولك ببطء..