اين دور المؤسسات في توظيف ابجديات الإعلام؟
آية عويدي العبادي
12-11-2024 03:39 PM
كان الإعلام فيما مضى منارة تحمل رسائل سامية، وصوتًا قويًا ينبض بحقائق المجتمع وهموم الناس، أما اليوم؛ فنحن أمام مشهد مختلف، حيث بات الإعلام ساحةً مفتوحة يدخلها كل من يتقن لعبة الظهور، بغض النظر عن كفاءته أو قدراته.
حيث أصبح كل من يلتقط صورةً خلف المايكرفون أو الكاميرا، ويملأ صفحاته الشخصية بمشاهد الاستعراض، يعلن عن نفسه "إعلاميًا"، زاعمًا الشغف بهذه المهنة وزاعما تفوقه فيها .
أصبحنا نرى من يدخل هذا المجال دون خبرة أو علم حقيقي، مكتفيًا بتعداد متابعيه ومظاهر حضوره عبر وسائل التواصل، وكأن عدد الإعجابات يحدد قيمة المحتوى.
نشاهد من يُجيد "الردح" ويكثر من الانتقاد، دون تحليل حقيقي أو فكر، فيخلط بين النقد الساخر وبين رسالة الإعلام العميقة، متخذًا من الإعلام منصة للفضائح أو التحليل السطحي وكأنها مهنة "العالم والجاهل"؛ فيسارع لإطلاق الأحكام، ولا يتوانى عن الإساءة، دون أدنى التزام بأخلاقيات الإعلام أو ميثاقه.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك من يجعل من الإعلام وسيلةً لبناء شبكة علاقات ومصالح ومنافع شخصية، مستغلًا قربه من الشخصيات العامة، وكأنه يُكَوِّنُ دائرة نفوذ، لا لإيصال الحقيقة أو نشر الوعي، بل لمصالحه الذاتية، ثم يبرر ذلك بشغفه "للإعلام"، ولكن عن أي إعلام يتحدثون؟
اليوم للأسف نرى كثيراً ممن يتصدرون المشهد الإعلامي وغيره، يفتقرون إلى عمق الفكر وأصالة اللغة، يقدمون أنفسهم كحكماء العصر وأصحاب الفلسفة، دون أن يمتلكوا الأدوات والعبارات السليمة التي تخوّلهم لذلك.
والبعض منهم يُحاولون تعليمنا كيف نعيش ويظنون أن المنصة التي يتحدثون منها وحدها تُضفي عليهم الحكمة، ينصّب البعض منهم معلمين للحياة، رغم حداثة سنّهم وضحالة تجربتهم، فلا يدركون أن الفجوة كبيرة جدا، بين ما يدّعون وما يحملون من حكمة واسعة، يقفزون إلى دور الناصح وهم بحاجة الى النصيحة، وكأنهم قد أدركوا أسرار الحياة، متجاهلين أعمار متابعيهم وخبراتهم التي تتجاوزهم بأميال، فيتحولون دون وعي إلى مادة للسخرية، إذ يظهر تناقضهم جلياً لكل من يرى بريق المظهر يطغى على عمق المضمون، فلا يكون لهم من نصيبٍ إلا أن يُصبحوا أضحوكةً تتهاوى مع الوقت.
في ظل هذا كله، يبقى احترامنا للأسماء الأصيلة التي تمتلك قوة الكلمة وصدق التعبير، ونتشبث بهم أكثر من أي وقتٍ مضى، لأنهم يمثلون الإتقان والعراقة في زمنٍ طغت فيه السطحية واللهاث وراء الشهرة السريعة على قيمة الرسالة الإعلامية.
إن هؤلاء الذين يحترمون اللغة ويُحسنون استخدامها، يشكلون منارة نعود إليها وسط زخم السرد غير المنضبط والثرثرة الفارغة، يزداد احترامنا لهم كلما رأيناهم ثابتين، مؤمنين برسالتهم وقيمهم، لأنهم يعكسون أن الإعلام ليس مجرد منصة للشهرة، بل أداة لبناء الوعي ونشر الفكر الراقي.
إننا اليوم، كمتابعين للمشهد الإعلامي، نطرح هذا السؤال الصارخ: أين المؤسسات الإعلامية العريقة من كل هذا؟ أين دورها في غربلة من ينتمي لهذا المجال وضبط معاييره؟ أين معايير الكفاءة والمهنية؟ من المسؤول عن أن يتحول الإعلام إلى ساحة لكل منظر بدلاً من منبر يحمل رسالة؟
يُفترض بالإعلام الا يكون منصة للتهريج، ولا وسيلة لشهرة عابرة، الإعلام الحقيقي هو رسالة، ومن يحمل هذا اللقب يجب أن يتحلى بأخلاقيات ومهارات تجعله أهلًا لنقل الصورة وتحليل الحدث ونقل الخبر بعمق وصدق.
الإعلامي الحقيقي هو من يحمل هموم المجتمع ويسعى لرفع وعيه، ملتزمًا بقيم المهنة وأخلاقياتها، محافظًا على قوة الكلمة ونقائها، مؤمنًا بأن الإعلام مدرسة ورسالة لا مسرحًا للاستعراض.