دور الأردن في زمن الإبادة
أ.د وفاء عوني الخضراء
11-11-2024 03:24 PM
في زمن الإبادة، كما في الصراع الأخير وما خلّفه من دمار جائر في غزة، برز الأردن كصوت للحكمة السياسية ونموذج للقيادة الإنسانية الرشيدة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني. برسائل واضحة ومتسقة، ذكّر الأردن المجتمع الدولي بأهمية قيمنا الإنسانية المشتركة، تلك القيم التي تشكّلت دوليًا عبر قرون من النضال من أجل حقوق الإنسان وكرامة الوجود، والأردن بقيادته الهاشمية يملك تراثاً كبيراً من السياسة المعتدلة وتغليب صوت الحوار على صوت الرصاص والدمار تمثّل بموقف ثابت يُصاغ بشجاعة واقتدار: "في وجه النزاعات، يجب أن يسعى العالم إلى حلول تُقدِّم الأولوية للإنسانية على العسكرة، وللتعاطف على حساُب التدمير".
ومع تصاعد الإبادة في غزة، اتخذ الأردن خطوات ملموسة، وعبر عن موقفه الراسخ في دعم الأشقاء في غزة ويسجل للأردن أنه كان أول دولة استطاعت كسر الحصار عن القطاع وتقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والإمدادات الطبية والدعم الأساسي للمدنيين الذين هم في أمسّ الحاجة. من خلال هذه الجهود، أظهر الأردن بكلماته وأفعاله، ما تعنيه القيادة بالدفاع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها على أرضها.
يمثل الأردن مفهومًا جديدًا للقيادة العالمية، يستند إلى القيادة التي يكون دور القائد الحقيقي هو خدمة الآخرين، ودعم من هم أكثر حاجة للحماية، ورفع المظلومية عنهم. وفي النظر لهذا المفهوم للقيادة نجدها نموذجاً مثالياً يتحدى الهياكل التقليدية للسلطة التي تعتمد على الإكراه والقوة العسكرية، داعيًا بدلًا من ذلك إلى نوع من الحوكمة التي تفكك القوى القائمة على الاحتلال لصالح العدالة والحق والرحمة. وتدعو مواقف الأردن إلى ضبط النفس والمعاملة الإنسانية للمدنيين، وتذكّر بالتزامنا العالمي بحماية الأبرياء، ودعم الضعفاء، ومقاومة الميل إلى حل النزاعات بالقوة فقط وبالضرورة تفويت الفرصة على اشعال حروب اقليمية ودولية لا يمكن تحمل تكلفتها.
في هذا العالم المتزايد في الترابط (المعولم)، فإن الأزمات وكارثة ما يحدث في غزة والبنان من إبادة ليست أحداثًا معزولة؛ بل تؤثر في المجتمع العالمي بأسره وتؤثر في نسيجه الفكري والعاطفي والقيمي كما أنها تهدد الأركان التي يقوم عليها المجتمع الدولي وتدفع به ليكون محل تشكيك في منظومته القيمية والأخلاقية. ويدرك الأردن أنه لتحقيق مفهوم "القرية العالمية" حقًا، يجب على القادة الدوليين أن يتعاملوا مع الأزمات بحكمة وتعاطف وعدل ومساواة كما هي "شعاراتهم" في أي محفل أو مبادرة، بدلاً من الاعتماد على العسكرة والصمت عن جرائم الحرب والإبادة وتجاهل القانون العالمي ومبدأ سيادته. حيث تُبرز الأزمات الأخيرة اتجاهًا مقلقًا تُعرّض البوصلة الأخلاقية لحقوق الإنسان للخطر، وتطغى على المبادئ الإنسانية استراتيجيات وممارسات عسكرية وهو ما تعيه السياسة الأردنية جملة وتفصيلا، وعليه يأتي صوت الأردن كرسالة تذكير حاسمة بأن ضمير العالم يجب أن يبقى حيًّا. ففي زمن التغوّل على حقوق الإنسان وإبادة الأبرياء في غزة، يبقى الأردن حاملًا راية الحكمة السياسية والإنسانية.
ثمة مسؤولية بالمعنى الأخلاقي الإنساني قبل السياسي تقع على عاتق الجميع في ضرورة إنهاء عصر الإبادة وحرمان الشعوب من حقها في الحياة والعيش بكرامة، وإزالة مفاهيم الاحتلال ومفرداته وصوره من قاموس الحضارة العالمية سيما إذا ما كنا نتحدث عن نظام تأسس في الأصل على حق الشعوب في الحياة وضمان سيادتها على أراضيها، وفي هذا السياق يطرح الأردن حلولا سياسية تستند على بنى ومفاهيم أخلاقية وأنسنة لكل الخطط الاستراتيجية الرامية لحل النزاعات، الأمر الذي يتطلب البناء والمراكمة على ما يقوم به الأردن في ساحات الفعل السياسي في المجتمع الدولي، من تعزيز للتضامن العالمي وبلورة رؤية مشتركة تمكننا من مواجهة التحديات الراهنة وبناء مستقبل مستدام للشعوب يسهم في تعزيز الاستقرار والازدهار الإقليمي.ّ