عندما تصرخ الجماهير في الملعب وتصمت أمام القضايا الحقيقية
د. هاني الضمور
10-11-2024 07:06 PM
كرة القدم، الرياضة التي تتجاوز كونها مجرد لعبة، أصبحت اليوم أشبه بطقس يومي لملايين الناس حول العالم. الملاعب تزدحم، والشاشات تشتعل، والشغف يتحول إلى طاقة لا حدود لها. في بعض الأحيان، يكون خطأ بسيط من الحكم كافيًا لإثارة موجة من الغضب العارم، تشتعل على منصات التواصل، وتجتاح وسائل الإعلام. لكن، وسط هذا الحماس والانفعال، يبرز سؤال مهم: لماذا ننفعل بشدة تجاه خطأ تحكيمي في مباراة، بينما نسكت عن أخطاء الحكومات والسياسات التي تمس حياتنا اليومية بعمق؟
الإعلام يلعب دورًا مركزيًا في هذه المعادلة، فالإعلام الرياضي يستغل كل قرار تحكيمي مثير للجدل، يحلله، ويعيده مرارًا وتكرارًا، مشجعًا الجماهير على المطالبة بما يراه البعض “عدالة رياضية”. هذا التركيز الإعلامي يجعلنا نشعر أن الانتصار أو الهزيمة في الملعب قضية تستحق الاحتجاج والصخب. لكن، على الجانب الآخر، نجد الإعلام السياسي أحيانًا أقل جرأة أو قدرة على تناول الأخطاء السياسية، ما يجعل الجمهور أكثر ميلاً للتجاهل أو الصمت عن قضايا أكثر أهمية وحساسية.
قد يبدو الاحتجاج في الرياضة أكثر أمانًا، فالتعبير عن الغضب تجاه قرارات التحكيم لا يُعرّض أحدًا للخطر أو المساءلة. أما عندما يتعلق الأمر بانتقاد السياسات الحكومية، فتتغير الأمور؛ حيث يتسلل الخوف من الملاحقة أو العقوبات، مما يجعل الناس أقل رغبة في إبداء الرأي، وكأن الملعب هو الملاذ الوحيد للتعبير عن الغضب.
لكن المسؤولية تتجاوز حدود الملعب. من الضروري أن ندرك أن حقوقنا تمتد لما هو أبعد من قرارات التحكيم في مباريات كرة القدم، وأن هناك قضايا تمس حياتنا اليومية، مثل السياسات الاقتصادية وحقوق الإنسان، تستحق نفس الشغف والاندفاع في الدفاع عنها.
في النهاية، ربما يعود تفضيل الجماهير للرياضة وتجاهلهم للقضايا السياسية إلى تأثير الإعلام، والخوف من العواقب، وأحيانًا غياب الوعي. ومع ذلك، يبقى من الضروري أن يكون حرصنا على العدالة متوازنًا، يشمل كل جوانب حياتنا، لضمان حياة أفضل للجميع.